خبراء وقانونيون يطالبون بتشريع مصري لمواجهة ظاهرة “الاتجار في البشر”

In صالون بن رشد by CIHRS

عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بالتعاون مع المؤسسة العربية لدراسات الهجرة، ندوة حول: مأساة الاتجار في البشر، وذلك يوم الأربعاء الموافق 23 مايو 2007. تناولت الندوة حدود مأساة الاتجار في البشر، استغلال القاصرات، مأساة أطفال الشوارع، جرائـم نقل الأعضاء، استغلال القاصرات. وقد شارك فيها كل من:أسامة الغزولي: رئيس مجلس إدارة المؤسسة العربية لدراسات الهجرة، رجب التهامي: محام بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، سامي عبد الراضي: صحفي بالمصري اليوم، لمياء لطفي: باحثة بمؤسسة المرأة الجديدة، د.حسن عيسى: أستاذ علم النفس المتفرغ بجامعة القاهرة، د.محمد مطر: أستاذ القانون الدولي بجامعة جون هوبكنز، وقد تولى إدارة الندوة معتز الفجيري: مدير البرامج بمركز القاهرة.
حذر المشاركون من تصاعد ظاهرة الاتجار في البشر في مصر بأشكالها المختلفة، وطالبوا بتفعيل الاتفاقيات الدولية التي تدعو لمكافحة هذه الظاهرة، وتأهيل ضحاياها وحمايتهم، مشيرين إلي أن الاتجار في البشر صار وباء ينتشر في مختلف أنحاء العالم.
وأشاروا إلى أن أهم أسباب نشأة هذه الظاهرة وانتشارها، تتمثل في تزايد معدلات الفقر في المجتمع المصري، وانتشار التفكك الأسري، والبطالة، والتسرب من التعليم.
تناول رجب التهامي ظاهرة تزويج القاصرات المصريات من أثرياء الخليج، وقال أن هذه الظاهرة انتشرت في بعض مدن الوجه البحري وبعض مدن وقرى محافظة الجيزة مثل مدن الحوامدية والقرى التي حولها، ولفت التهامي إلي دور السماسرة، الذين يسهلون تزويج القاصرات لأثرياء عرب، واصفًا نشاطهم هذا بأنه أحد أنواع التجارة في البشر.

وتناولت لمياء لطفي ظاهرة العنف والاستغلال الجنسي لفتيات الشوارع، وقالت أن الأطفال والفتيات يتعرضون في الشارع لكثير من صور العنف والانتهاك، وأكثر هذه الانتهاكات شيوعا، هو القبض العشوائي من قبل الشرطة، ووضعهم في أماكن الاحتجاز مع البالغين؛ مما يعرضهم لأشكال متعددة من العنف.
وعرضت لمياء لثلاثة أشكال من العنف الذى تتعرض له الفتيات فى الشارع، والذى عبرن عنه فى الكثير من وسائل الإعلام، وهي :
1. الاحتجاز القسري لفتيات الشوارع بقصد الاغتصاب.
2. الاستغلال الجنسي واستغلال الفتيات القاصرات فى العمل فى الدعارة من قبل الأهل والذى يضطرهن للهرب للحياة فى الشارع.
3. استغلال الفتيات القاصرات فى الشارع، ممن يطلق عليهن أطفال شوارع، في العمل في الدعارة تحت التهديد أو الابتزاز.

وذكرت لمياء أن الاحصاءات تشير إلي أن 60% من أسر أطفال الشوارع تعانى من التفكك حيث تقترن الأسباب الرئيسية للظاهرة بتفكك الأسرة، وكذلك تأتى ظاهرة الهرب في مراحل التعليم الأولى، كأحد الأسباب التى أتت بهذه الظاهرة، حيث أن أكثر من 50% من أطفال الشوارع حرموا من التعليم نتاج التسرب، هذا بالإضافة إلى حالة السكن الغير لائق أو الغير ملائم لنمو الطفل نموا طبيعيا من كافة الجوانب، كما نصت عليه المواثيق الدولية.
بدأ الدكتور محمد مطر حديثه بالتأكيد علي خطورة الظاهرة وأهميتها مشيرا إلي أنها ظاهرة عالمية وليست خاصة بمصر، وقال أن هذه الظاهرة طبقا للقانون الدولي تقع تحت مظلة التجارة في الأشخاص. كما أشار إلى أن الأمم المتحدة قد دعت في عام 2000 إلى الانتقال من نطاق تجريم ظاهرة استغلال البشر إلى نطاق “الحماية” فصدرت اتفاقية منع التجارة في الأشخاص، خاصة الأطفال والنساء، موضحا أن هذه الاتفاقية خلقت نوعا من الاجماع الدولي علي أن هناك ظاهرة تستوجب التصدي لها وهو ماظهر في تصديق 111 دولة علي الاتفاقية من بينها مصر، حيث صارت الاتفاقية قانونا دوليا منذ عام 2003 بعد تصديق 40 دولة عليها، ولفت مطر إلي عدم وجود تشريع في مصر يجرم فعل الاتجار في البشر في حين أن 18 % فقط من دول العالم لاتوجد بها مثل هذه التشريعات .
أكد سامي عبد الراضي أن في مصر أسباب كثيرة وراء ظاهرة أولاد الشوارع، والتي ربما تنفجر يوما في المجتمع المصري، فالبداية تتمثل في التجمعات العشوائية، مشيرا إلي أن الدراسات والإحصائيات الخاصة بالتقديرات الرسمية للعشوائيات أكدت بأنها وصلت إلى 1034 منطقة في 24 محافظة مصرية من بين 26 محافظة، ونوهت الدراسات إلى ضرورة إزالة 81 منطقة عشوائية بشكل فوري وحاسم، بينما كان هناك اقتراح بالإبقاء على وتطوير الـ 953 منطقة الباقية. وقد حرص عبد الراضي على توضيح بعض السمات التي تتصف بها المجتمعات العشوائية، وأهمها أن الكثافة السكانية تصل إلى أكثر من 1500 نسمة في مساحة ضيقة لا تتعدى مساحتها نصف كيلو متر، إلي جانب تكدس الأسر في مسكن واحد، وارتفاع معدل التزاحم بالنسبة للغرفة الواحدة، وارتفاع نسبة الجرائم، والانحرافات، وخاصة الجنسية منها، وتعاطي المخدرات، والطلاق، والتشرد، والمشاجرات العائلية.
وأشار عبد الراضي الي أن الاستغلال الجنسي هو أخطر ما يتعرض له أطفال الشوارع، خاصة الإناث، ويكون المعتدي أو الجاني في هذه الحالة إما عصابات أو أفراد مستغلين؛ مما أدى إلى انتشار مرض الإيدز بين الأطفال بصورة كبيرة. وأوضح أن العادات والتقاليد في المجتمع المصري، أضحت بمثابة عائق يحول دون الحصول على معلومات دقيقة تساعد في التعرف على الأرقام الرسمية المتعلقة بالاستغلال الجنسي، وذلك لعدم الإبلاغ عنها، لكن اعترافات بعض أطفال الشوارع من المتهمين في قضية “التوربيني”، والتي تحولت لقضية رأي عام أكدت أن أطفال الشوارع معرضون طوال الوقت لهتك العرض والاغتصاب.

من ناحيته رأي أسامة الغزولي أن أعنف أشكال الاتجار في البشر وأسوأها يتعلق بأفعال الجنس التجاري، المقترن بالإجبار أو بالخداع، أو الذي يتم مع ضحية لم تبلغ السن القانوني المحدد للولاية على النفس، وهو 18 عاما في القانون المصري. وقال الغزولي أنه ليس هناك إحصاء أو تقدير لعدد ضحايا الاتجار بالبشر في مصر.
حدد الغزولي مجموعة من التوصيات والمقترحات في مواجهة هذه الظواهر، وقال أن نقطة البداية لمحاصرة الاتجار في البشر في بلادنا، هي رسم الحدود الفعلية للمأساة بالكشف عن خطورة عصابات استغلال الأطفال في التسول والدعارة، وعن حجم دعارة القاصرات وحجم أنشطة الدعارة المحلية، والوافدة وحجم التجارة في الأعضاء وفي الدم البشري .
أما الخطوة الثانية فتتمثل في تنفيذ بروتوكول منع ووقف ومعاقبة الاتجار في الأشخاص خاصة النساء والأطفال، والذي تستكمل به معاهدة الأمم المتحدة ضد الجريمة المنظمة، إضافة إلي وضع سياسات وبرامج شاملة على المستويين المحلي والوطني، بالتعاون مع الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني؛ لمنع ومكافحة الاتجار في البشر ولحماية الضحايا .

وقال الدكتور حسن عيسي أن ظاهرة أطفال الشوارع باتت من الظواهر الملحوظة في المجتمع المصري في السنوات العشر الماضية، وربما كانت الظاهرة موجودة قبل ذلك، لكن أعداد هؤلاء الأطفال تتزايد بشكل ملفت للنظر في السنوات الأخيرة، مشيرًا إلي أن أبرز المصادر التي تنتج أطفال الشوارع، هو التسرب من التعليم العام وهي ظاهرة ليست جديدة تماما ولكنها تزايدت كثيرا في تلك الأعوام العشرة الأخيرة. وأشار إلى أن هناك عوامل تساعد على تفاقم الظاهرة، مثل التفكك الأسرى، والهجرة من الريف إلى الحضر، وانخفاض المستوى التعليمي نتيجة للتسرب، إضافة إلي عمالة الأطفال، وسوء معاملة الوالدين.
أما العوامل النوعية المحددة بشكل مباشر للظاهرة فقد أوجزها الدكتور عيسي في الأوضاع الاقتصادية التي شهدتها مصر منذ أواخر السبعينات، والتغيرات والعوامل الاجتماعية التي صاحبت هذه الأوضاع، مضيفا إلي ذلك الأسباب السياسية، وعدم وجود سياسة اجتماعية شاملة، وواضحة المعالم، موجهة لهذا القطاع الكبير.
كما أن برامج الأحزاب السياسية في مصر، على اختلاف توجهاتها، تكاد تخلو من أية تصورات محددة عن قضية الطفولة. وأشار إلى أن مشكلة أطفال الشوارع لم تحظ بالاهتمام الكافى فى مصر، ولم تهتم وزارة التضامن الاجتماعي إلا بإيداع الأحداث الجانحين والمتسولين في مؤسسات خاصة.

Share this Post