الحكومة المصرية تتعمد تضليل الرأي العام العالمي، ومداخلة للمركز تؤكد:الحريات” ليست حقوق من “الدرجة الثانية”

In مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة by CIHRS

كشف تقرير المقرر الخاص المعني بالحق في التجمع السلمي وحرية تكوين الجمعيات بالأمم المتحدة، والمُقَدم في إطار الدورة العشرين لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة حاليًا في جنيف، عن محاولات تضليل ومعلومات مغلوطة تقدمها الحكومة المصرية في تقاريرها الدولية، استكمالاً لمحاولاتها المستميتة في الداخل لخلط الأمور والتهرب من مسئولياتها. فوفقًا لتقرير المقرر الخاص والذي استعرض فيه المراسلات المتبادلة بينه وبين العديد من الحكومات -من بينها الحكومة المصرية- فهي مازالت ترفض الاعتراف بالخطأ وكثيرًا ما تتهرب من المسئولية.

يذكر التقرير أن الحكومة المصرية تلقت من الخبير الدولي ست مخاطبات كان أولها في شهر أكتوبر2011، بشان أحداث ماسبيرو والصدامات الطائفية التي حدثت بقرية الماريناب بأسوان. كذلك تلقت الحكومة المصرية خطابين حول طريقة تعاملها مع المجتمع المدني، حيث استنكر الأول في 17 نوفمبر 2011 الهجمة الشرسة التي تشنها وسائل الأعلام ضد المنظمات غير الحكومية واتهامها بالعمالة والخيانة، بينما الخطاب الثاني جاء متزامنًا مع حملة مداهمة مقار 17 منظمة مجتمع مدني.

المقرر الخاص أدان أيضًا القبض علي الناشط علاء عبد الفتاح ومحاكمته أمام محكمة عسكرية، وكذا أدان إحالة المدنيين بشكل عام إلي مثل تلك المحاكمات، وذلك في خطاب رسمي للحكومة المصرية في ديسمبر 2011، كما أدان المقرر الخاص ما تعرضت له الناشطات من اعتداءات وسحل وتحرش إبان أحداث مجلس الوزراء وأحداث شارع محمد محمود في مخاطبة تمت في يناير 2012.

جاءت أغلب ردود الحكومة المصرية علي تلك المخاطبات واهية ضعيفة الحجة والمنطق، بل أن الحكومة تجاهلت بعض المخاطبات ولم ترد عليها، مثل الخطاب الخاص بسحل وضرب الناشطات في احتجاجات مجلس الوزراء والذي لم يتلق عنه المقرر الخاص أية رد من الحكومة حسب تقريره.

وفي رد الحكومة المصرية علي الخطاب المتعلق بمذبحة ماسبيرو التي وقعت يوم 9 أكتوبر 2011، سردت الحكومة الإجراءات التي اتخذتها لمواجهة تلك الأحداث ومنها على سبيل المثال تكوين “بيت العائلة” الذي يضم حسب وصفها عدد من القادة الدينيين، كما أنها قامت بوضع تشريع لمنع التمييز، فضلاً عن وضع مقترح تشريعي ينظم عملية بناء دور العبادة.

والجدير بالذكر أن الرد احتوى على مغالطات عديدة وذلك بإلقاء مسئولية وقوع المجزرة علي “عناصر مسلحة بقنابل المولوتوف وذخيرة حية” مشيرةً إلى أن هذه الأحداث تأتي في سياق أوسع من قبل، هدفها تعطيل التحول الديمقراطي في مصر وإفساد العملية الانتخابية التي تشهدها البلاد.

كذلك لم تشر الحكومة المصرية في ردها المؤرخ بتاريخ 18 أكتوبر من قريب أو بعيد إلى واقعة دهس المتظاهرين من قبل مصفحات الجيش، بل استمرت الحكومة في التضليل المتعمد لحقيقة مذبحة ماسبيرو، بقولها “أن المسلمين والمسيحيين بقرية الماريناب بأسوان –والتي كانت مذبحة ماسبيرو إحدى نتائج المشاحنات الطائفية بها- قد وقفوا يدًا واحدة لرفض العنف الذي حدث في ماسبيرو بل ورفضوا أيضًا الاشتراك في تلك المظاهرات، مفضلين حل تلك المشكلة بأساليب سلمية، مما يلقي بظلال الشك في أن بعض العناصر التخريبية قد شاركت في تلك المظاهرات السلمية لإفسادها عن عمد”.

أما في رد الحكومة على المخاطبات المتعلقة بالهجوم الإعلامي علي منظمات المجتمع المدني والتضييفات القانونية عليها واقتحام مقرات بعضها، أدعت الحكومة أن الإجراءات التي اتخذتها كانت كلها في إطار القانون، وأنه لا يواجه الجمعيات الأهلية قيود من أي نوع، وأن حرية تأسيس الجمعيات مكفولة وفقًا للقانون “الذي وضح في المادة 11 شروط واضحة لتأسيس الجمعيات”. كما قالت الحكومة أنه لا توجد مشكلات في مسألة التمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية من أي نوع، مدللة على ذلك بأن نسبة المنح التي تم رفضها لا تتعدى نسبة 1% من إجمالي طلبات المنح المقدمة.

كل هذه الادعاءات تدلل على استمرار الحكومة المصرية في ممارسة المزيد من القمع على الجمعيات الأهلية بل وتضليل الرأي العام العالمي، بينما يؤكد الواقع أن الحكومة المصرية قد شنت هجومًا حادًا عبر وسائل الإعلام على منظمات المجتمع المدني وقامت بإلصاق تهم الخيانة والعمالة لهم على صفحات الجرائد عن طريق التسريبات الصحفية، بينما خلت أوراق التحقيقات أو التهم التي وجهت لتلك المنظمات من أي إشارة إلى تنفيذ أجندات أجنبية أو الإضرار بأمن البلاد. واستخدمت الحكومة في تلك الأزمة كافة الطرق لتشويه سمعة المنظمات بما في ذلك الزج بالقضاء في قضية سياسية بالأساس.

أما القول بأن قانون الجمعيات الأهلية رقم 84 لسنة 2002 يتيح للجمعيات سهولة الإشهار وتلقي المنح الخارجية، هو قول لا يمكن تسويقه حتى في المحافل الدولية، حيث أن هذا القانون كان مثار انتقاد دائم لمصر في الاستعراض الدوري الشامل عام 2009، بالإضافة إلى أن هذا القانون يفرض قيود تعسفية على الجمعيات الأهلية تصرفها عن هدفها الرئيسي في تنمية المجتمع إلى كيفية تلبية القيود البيروقراطية للجهة الإدارية. وتشهد ساحات محاكم القضاء الإداري على حجم تدخل الجهة الإدارية ومن خلفها الجهات الأمنية في عمل الجمعيات، بدءً من رفض تأسيس جمعيات لتعارضها مع النظام العام –وهي الذريعة الدائمة لرفض الجهة الإدارية إشهار الجمعيات- مرورًا بالتدخل في شئون الإدارة الداخلية للجمعيات وحق الجهة الإدارية في رفض قرارات الجمعية أو رفض ترشيح شخص بعينه لعضوية مجلس الإدارة، أو رفض المنح والهبات التي تتلقاها الجمعيات دون سند من القانون، انتهاء إلى حل الجمعيات بقرار إداري. وفي أغلب تلك الحالات انتصر القضاء الإداري إلى حق تكوين الجمعيات ورفض قرارات الجهة الإدارية.

هذه الادعاءات التي تسوقها الحكومة تتنافى تمامًا مع الواقع المرير الذي تعيشه الجمعيات الأهلية، حيث أن الجمعيات الأهلية بجميع محافظات مصر، تعاني من تعسف وقمع واضح، ربما أشد من أي فترة مضت، لاسيما في مسألة تلقي المنح والهبات الخارجية، الأمر الذي دفع العديد من الجمعيات إلى تخفيض عدد العاملين فيها، وبحسب ما تلقيناه من شكاوى فإن عدد من الجمعيات سوف تعلق نشاطاتها لعدم ورود موارد مالية بسبب تعنت وزارة الشئون الاجتماعية ومن خلفها الجهات الأمنية.

التقرير المقدم من المقرر الخاص طالب الحكومة المصرية بسرعة إرسال المعلومات المطلوبة والمستفسر عنها في الخطابات التي لم يتلق عنها رد، مبديًا قلقه من تجاهل الحكومة للرد. كذلك أعرب المقرر الخاص عن قلقله بشأن وضع المنظمات الأهلية في مصر خاصة بعد ما تعرضت له من مداهمات وإحالة بعض النشطاء إلي المحاكم واتهامهم بالخيانة والعمالة. كما أبدى المقرر الخاص قلقه بشأن القانون الذي ينظم عمل الجمعيات الأهلية 84/2002 والذي أكد أنه لا يتفق مع المعايير الدولية، مطالبًا الحكومة بتبني قانون جديد يضمن حرية تكوين الجمعيات وقيامها بدورها.

المقرر الخاص طالب الحكومة المصرية بالامتثال للتوصيات التي صدقت عليها في الاستعراض الدوري الشامل أمام الأمم المتحدة في مارس 2009، وكذا طالبها بالالتزام بقرار مجلس حقوق الانسان رقم 15/21 والذي طالب الحكومات باحترام وحماية حقوق مواطنيها في التظاهر السلمي وتكوين الجمعيات. كما طالب الحكومة بوقف استخدام العنف خلال التظاهرات السلمية، وإجراء تحقيقات شاملة ومستقلة بشأن جرائم انتهاك حقوق الإنسان بما في ذلك التعرض لكافة أشكال الترويع والتهديد والقمع ومحاسبة كل من يثبت مسئوليته عن تلك الممارسات، وتقديم التعويض الكامل للضحايا.

في السياق نفسه، قدم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، اليوم مداخلة شفهية أمام مجلس الأمم المتحدة وذلك في الجلسة الخاصة بمناقشة التقرير المقدم من المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التظاهر والتجمع السلمي. حيث حث مركز القاهرة الحكومات الأعضاء على إدراج توصيات ذلك التقرير في سياساتها وتشريعاتها الوطنية والدولية، مؤكدًا أن الحكومات ينبغي أن تتبنى نهج “الإخطار”، في مقابل نظام الموافقة في تأسيس الجمعيات، وكذلك التوصية الخاصة بوضع مجموعة من المبادئ الإرشادية لحرية التجمع، بما يضمن بذل جهد متضافر لضمان وجود إطار قوي من المبادئ والمعايير التي تضمن حرية التجمع، علي أن تدرج تلك المعايير في أعمال مختلف هيئات الأمم المتحدة بما في ذلك البعثات والمكاتب القطرية.

المداخلة أكدت علي أن حماية وتعزيز حرية التجمع وتكوين الجمعيات تمثل الخطوط الأمامية للكفاح من أجل حقوق الإنسان؛ والضمانة الأساسية لاستمرار دفع الحريات إلى الأمام بما يقرر مستقبل حركة حقوق الإنسان في المنطقة العربية وحول العالم، رافضة تعامل الحكومات مع جميع أشكال الحريات على المستوى الوطني والدولي على أنها حقوق من “الدرجة الثانية”، بدلاً من أن تكون حقوقًا غير قابلة للتنازل ويجب حمايتها.

Share this Post