هل كان ممكنا تفادي احتلال وتدمير العراق؟!

In صالون بن رشد by CIHRS

أكد عدد من المثقفين المصريين أن موقفا عربيا قويا ويحسن استخدام أوراق القوة والضغط العربية كان يمكن له أن يمنع وقوع الحرب على العراق ويردع الولايات المتحدة عن استخدام لغة القوة العسكرية في التعامل مع العراق وإقناع الرئيس العراقي صدام حسين بالتخلي عن السلطة مع توفير الضمانات اللازمة لذلك.
جاء ذلك ردا على تساؤل طرحه مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في ندوة له بعنوان “هل كان ممكنا تفادي وقوع الحرب على العراق، وكارثة تدميره واحتلاله”؟ حيث رد الدكتور حسن نافعة رئيس قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة بأنه كان من الممكن تفادي كارثة تدمير العراق لو كان لدى العرب القدرة على القراءة الصحيحة للأهداف الاستراتيجية الأمريكية ليس فقط فيما يتعلق بأهدافها في العراق ولكن في المنطقة العربية بشكل خاص وفي العالم بشكل عام. وقال إنه لو توافر لدى العرب أيضا إمكانية بلورة عمل عربي مشترك كانت تستطيع من خلالها الحكومات العربية تفادي ما حدث وما هو قادم ليس من حيث الأهداف ولكن من حيث الأسلوب.
أضاف نافعة أن الولايات المتحدة كان لديها إصرار على التدخل في العراق بشكل أو بآخر موضحا أن المطلوب من الجانب العربي كان هو الضغط عليها –أمريكا- حتى تقوم باتباع سياسة أخرى غير سياسة الحرب التي خلفت آثارا تدميرية على الشعب العراقي وعلى الأمة العربية جميعها.. واستطرد مشيرا إلى أن أهداف الولايات المتحدة تتركز بشكل أساسي في رغبتها بأن تكون لها اليد الطولى في بناء العراق بالشكل الذي تراه وهى الأهداف التي تجسدت بشكل واضح بعد وصول اليمين الأمريكي المتطرف إلى رأس السلطة في البيت الأبيض.
وأشار نافعة إلى أن اليمين الأمريكي المتطرف هو الذي استغل أحداث 11 سبتمبر 2001، في إحداث تغيير في التفكير الأمريكي بالدعوة لأن تفعل أمريكا بالعالم ما تريد على اعتبار أن ذلك يمثل نوعا من الدفاع عن النفس، لافتا إلى أن هذه الأحداث وقعت بعد شهور قليلة من وصول الإدارة الحالية للحكم في البيت الأبيض وواكبت -الأحداث- وصول اليمين المتطرف للحكم في إسرائيل أيضا، أدى وجود ما يشبه الاتفاق بين اليمينيين في أمريكا وإسرائيل، معتبرا أن الولايات المتحدة كان لديها مشروع للهيمنة على العالم حتى قبل أحداث سبتمبر.
قال نافعة إنه لو قرأ العرب ذلك قبل وقوع الأحداث الأخيرة لاكتشفوا أنهم بصدد مرحلة هجوم أمريكي على واقع ثقافي وسياسي معين رأت الولايات المتحدة ضرورة تغييره وفقا لرؤيتها ولأهداف إسرائيل.
أكد نافعة أن العراق لم يكن المقصود بذاته وإنما هو يرتبط بالمفهوم الاستراتيجي الأمريكي الرامي للهيمنة على المنطقة، موضحا أن العراق سيحقق للإدارة الأمريكية هدفين في آن واحد يتمثل الأول في أن العراق دولة غنية وبها قاعدة صناعية، وبالتالي فإن بتروله سيعطي الولايات المتحدة الفرصة للتحكم في التدفقات النقدية، أما الهدف الثاني فهو يصب في مصلحة إسرائيل ويتمثل في فض التسوية للقضية الفلسطينية بالشروط الإسرائيلية.
عبر نافعة عن خيبة أمله تجاه الإدارة العربية لأزمة العراق وقال إنه كان يجب على الحكومات العربية اتباع سياسة الضغط، سواء على الولايات المتحدة من أجل دفعها للتراجع عن استخدام لغة القوة العسكرية في التعامل مع العراق، أو على الرئيس العراقي صدام حسين من أجل إقناعه بالتخلي عن السلطة لتجنيب الشعب العراقي المخاطر التي يعاني منها حاليا.
وأشار إلى أن الحكومات العربية لم تفلح في تحقيق الضغط لا على هذا ولا على ذاك، مؤكدا أن الدول العربية، وحتى التي يطلق عليها دول كبرى، لم يكن لديها أي أدوات للضغط على أمريكا لتغيير أهدافها وكانت الأخيرة مصممة على التعامل مع صدام من خلال نظرة يغلب عليها الطابع الأيديولوجي، في حين كانت الدول العربية –والكلام لنافعة- من الصعب عليها استخدام سواء منطق “العصا” لترهب أمريكا أو “الجزرة” لتروضها بها أو لتحول دون تعرض المزيد من دول المنطقة العربية لمثل ما تعرض له العراق.
وخلص نافعة إلى التنبيه إلى ضرورة بلورة عمل عربي مشترك لمواجهة ما يمكن أن يحدث في المستقبل، خاصة وأن الدول العربية واقعة حاليا بين سندان الحرب ومطرقة الاحتلال الأمريكي.
ضرورة حتمية
أما الكاتب الصحفي حسين عبد الرازق الأمين العام المساعد لحزب التجمع فقد أكد في بداية حديثه أنه لم يكن في مقدور المجتمع الدولي أو العربي أو الجامعة العربية أو النخب السياسية أو حتى صدام حسين نفسه الحيلولة دون وقوع ما حدث أو تجنبه مرجعا ذلك إلى مجموعة من الحقائق التي جعلت من الحرب ضرورة حتمية، ومنها سيطرة اليمين الأمريكي المتطرف على السياسة الأمريكية منذ مجيء بوش الصغير للحكم.
وذكر عبد الرازق أن سياسة مجموعة اليمين المتطرف تتلخص في عدم الالتزام بالقانون الدولي في حالة تعارضه مع مصالحهم، مشيرا إلى أن الحقيقة الثانية تتمثل في استغلال اليمين الأمريكي الحاكم لأحداث سبتمبر 2001 كذريعة للتدخل في السياسات الخارجية، خاصة في المنطقة العربية التي عرف عنها الضعف والهوان وسهولة اختراق حكوماتها.
أضاف أن الحقيقة الثالثة تتمثل في انفراد الولايات المتحدة بالسيادة الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي الذي أدى إلى اختلال التوازن في القوة في العالم حيث كان هذا التوازن يفرض قيودا على أمريكا، مدللا على ذلك بالإنذار السوفيتي لأمريكا عام 1956 الذي أوقف الحرب على مصر وأعطاها فرصة تأميم قناة السويس، إلى جانب موقفه –الاتحاد السوفيتي- من أزمة صواريخ كوبا عام 1962، وغيرها من المواقف السوفيتية التي كانت تعمل على إحداث توازن في القوة على مستوى العالم.
أشار عبد الرازق إلى حقيقة أخرى وهى أن الرأي العام العالمي وحركة مناهضة العولمة، ورغم الدور العظيم لها في الوقت الحاضر إلا أنها لم تستطع أن تغير من السياسات الأمريكية السائدة في العالم إلى جانب حقيقة أخرى، وهى الهزيمة التي لحقت بحركة التحرر الوطني العربية والتي بدأت باتفاقية الصلح التي أبرمتها مصر مع الكيان الصهيوني وخروج مصر من ميزان القوة العربية، ثم غزو العراق للكويت وما أدت إليه حرب الخليج الثانية من تواجد عسكري أمريكي في المنطقة أدى إلى غياب موقف عربي موحد تجاه الأزمة العراقية، معتبرا أن النظام العراقي ساعد على صهر كل هذه العوامل في بوتقة واحدة لتفرز ضعفا عربيا وتخاذلا في مواجهة أي مخاطر.
أكد عبد الرازق أن الاحتمال الوحيد لمنع الحرب على العراق أو تأجيلها كان يتمثل في لجوء العرب لاستخدام أوراق القوة التي لا يستخدمونها، سواء في وجه أمريكا أو إسرائيل، ومن هذه الأوراق إعلان الحكومات العربية وخاصة مصر إلغاء المناورات العسكرية مع القوات الأمريكية إلى جانب تهديد دول الخليج بإلغاء الاتفاقيات الثنائية مع أمريكا في حالية قيامها بعمل عسكري ضد العراق أو أي دولة عربية مؤكدا على أنه في ظل غياب تلك الأوراق وغيرها لم يكن من الممكن تفادي أحداث التدمير والاحتلال للعراق.
القطب الوحيد
وقال الكاتب الصحفي محمد سيد أحمد أن العالم مر خلال الفترة الأخيرة بظروف جعلت من المواجهة العسكرية للنظام العراقي السابق أمرا حتميا، موضحا أن من هذه الظروف سقوط النظام العالمي ثنائي القطبية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، بما أضاف للولايات المتحدة قوة تعادل عشرة أمثال ما هى عليه.
وأشار إلى أنه في فترة ما بعد انتهاء النظام ثنائي القطبية ظهر شعار جديد على العلاقات الدولية، وهو حل الخلافات بالطرق السلمية، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وفي نفس الوقت ظهر ما عرف بازدواجية المعايير حتى في القضايا المتشابهة، ودلل على ذلك بنظرة الولايات المتحدة الأمريكية إلى القضية الفلسطينية من منطلق الحل السلمي، في حين رأت أن القوة العسكرية هى الحل لأزمة العراق.. وقال إنه أمام هذه الإشكالية التي تسيطر عليها القوة ظهرت مدرستان سياسيتان ترى الأولى أن التعامل مع الإدارة الأمريكية لابد وأن يكون في إطار الواقعية والتسليم بالأمر الواقع، أما الثانية فترى أنه لابد من المجابهة والتي من الممكن أن تأخذ شكلا من أشكال التطرف والعنف.
قال محمد سيد أحمد أن الأهداف المعلنة للحرب على العراق كانت تتلخص في امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل واعتبرت الولايات المتحدة ذلك جريمة، وقامت بشن الحرب على أساسها في حين أنها لم تصل، ورغم اكتمال احتلالها للعراق إلى حسم هذه الجريمة، لافتا إلى أن امتلاك أسلحة الدمار الأشمل أصبح سمة من سمات التقدم العلمي والتكنولوجي الذي يشهده العالم.
أضاف أن عدم وصول الولايات المتحدة لأي أسلحة في العراق يعني أن هدفا أمريكيا مفاده الرغبة في احتكار الأسلحة دون غيرها هو الأساس حتى تستطيع أمريكا أن تملي شروطها على العالم من خلال القوة الوحيدة حيث إنها تسعى للقضاء على عالم الخمسة الكبار في مجلس الأمن وتريد أن تنفرد وحدها بالقوة والسعي لإضعاف الأربعة الآخرين.
أكد محمد سيد أحمد على أهمية وضع استراتيجية عربية لمواجهة أي أخطار محتملة في الفترة القادمة تقوم على أساس الفهم الصحيح للأسباب الحقيقية، وليس المعلنة للإدارة الأمريكية.
الهوان العربي
ووصف فريد زهران الناشط بلجان مناهضة العولمة ورئيس دار “المحروسة” للنشر الحال العربي بأنه وصل لمستوى من الضعف والهوان، حتى صار نموذجا للإيضاح في العالم، وقال إن الولايات المتحدة في حاجة لأن تقول للعالم ولحلفائها أنها الدولة الأولى في العالم، وأنه حتى من حولها ومنهم قريبون منها أنهم تابعون، ليسوا حلفاء، وأنها في سبيل إيصال تلك الرسالة لأهدافها أرادت تقديم “نموذج إيضاح” من خلال المنطقة العربية باعتبارها المنطقة الأكثر ضعفا في العالم، وقال إن سوريا مرشحة لأن تكون الخطوة التالية في هذا النموذج، ليس لأنها أكثر عداء لأمريكا من دول مثل إيران وفنزويلا، ولكن لأنها في المنطقة الأضعف.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة لديها نواياها العدوانية وأسبابها التي تغري باستخدام القوة في المنطقة العربية، لكن الأهم من ذلك كله هو إغراء الضعف والهوان العربي.
وأوضح أن هناك ثلاث دوائر حاولت منع نشوب الحرب ومقاومة النوايا العدوانية الأمريكية أولها: المجتمع الدولي متمثلا في الأنظمة والحكومات والشعوب المناوئة للحرب، موضحا أنه بالنسبة للحكومات والأنظمة فقد حصل انقسام عالمي فيما بينها تجاه هذه الحرب، لكن هذا الانقسام لم يؤثر إطلاقا على حركة الشعوب التي خففت من وحشية النوايا العدوانية الأمريكية، معتبرا أن هذه الدائرة قامت بواجبها منذ سياتل وحتى دربان، وأنتجت حديثا عالميا من بروز قطب عالمي جديد يتمثل في الحركة المناهضة للعولمة والرأسمالية.
أما الدائرة الثانية –حسب زهران- فهى دائرة العالم العربي الذي يقع أسيرا للاستبداد والإفقار في نفس الوقت، وقال إن الحكومات العربية تحكم في ظل مستوى مرتفع من الاستبداد والإفقار وتحرم شعوبها من التعبير عن رفض النوايا العدوانية الأمريكية، ليس فقط من خلال قمع هذه الشعوب، ولكن أيضا من خلال ما وصفه بتحالفات سيئة السمعة بين الحكومات والتيار الإسلامي لديها لتغييب الشارع ومصادرة رأي الناس وحبسه في أماكن مغلقة كالاستادات الرياضية، مشيرا إلى أن الحكومات العربية لم تفعل شيئا ولم تستخدم أوراق الضغط الموجودة لديها مثل قناة السويس والبترول لمنع وقوع العدوان على العراق.
وتمثلت الدائرة الثالثة عند زهران في العراق حيث أشار إلى أن عدم وجود الرئيس العراقي صام حسين كان سيجنب شعبه هذه المأساة، واعتبر أن صدام حسين قدم أسوأ أداء وإدارة ممكنة لبلاده من تجويع شعبه وإفقاره إلى توريطه في حروب، سواء ضد إيران أو باحتلال الكويت.
وذهب زهران إلى أنه كان ممكنا تفادي الحرب لو كان العراق أكثر قوة ولو كان لديه نظام حكم أكثر عدالة وديمقراطية، معتقدا –أي زهران- أن هذه الأمور كان يمكن أن تجنب العراق الضربة الأمريكية.
قال زهران إن أمريكا ذهبت للمكان الذي لن تقدم فيه تضحيات جسيمة ولن تواجه فيها حربا لأنها متأكدة أن الشعوب لن تحارب في ظل الجوع والاستبداد، معتبرا أن وجود التفاف من الشعب العراقي حول قيادته بأي درجة من الدرجات ووجود حكومات عربية تستطيع أخذ موقف قوي كان يمكن لهما معا تجنب نتائج هذه الحرب.
وفي تعليقه أعرب بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن اعتقاده بأنه ربما كان من الممكن تفادي الكارثة بدرجة أو بأخرى لو تم التفاعل بجدية مع مبادرة الشيخ زايد التي كانت قد دعت إلى إقناع الرئيس العراقي بالتنحي، مشيرا إلى أنه لوحدث ذلك فالأرجح أن أجندة الشعب العراقي على الأقل ستتغير لتصبح الأولوية لمقاومة الاحتلال والغزو، بدلا من الانشغال بمصير نظام صدام والتفتيش في أقبية السجون والقبور الجماعية عن آلاف الضحايا والمختفين.

Share this Post