جدل حول مستقبل الصدامية في العالم العربي

In صالون بن رشد by CIHRS

أثار سؤال طرحه مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في إطار صالون ابن رشد حول مستقبل الصدامية –نسبة إلى الرئيس العراقي السابق صدام حسين- في العالم العربي جدلا بين المثقفين فهناك فريق يؤكد على وجود هذه الظاهرة في السياسة العربية وفريق آخر رافض لهذه التسمية.
وقد بدأ بهي الدين حسن مدير المركز حديثه بالإشارة إلى أن تعبير الصدامية ربما يكون غريبا بعض الشئ لأنه يعني نسبة اتجاه سياسي معين لاسم زعيم معين، كما جرى مع الناصرية، موضحا أنه بصرف النظر عن مدى دقة هذا التعبير فإن مجرد استخدامه يستدعي عددا من الأفكار والتساؤلات من بينها إن كان ذلك يعني تناول مستقبل البعثية والاتجاه البعثي وتناول خصوصية الطبعة الصدامية منه، أو مستقبل الاتجاه القومي العربي بشكل عام والذي تعتبر البعثية أو الطبعة الصدامية منه تعبيرا خاصا عنه.
قال بهي إنه مع الهزيمة المدوية التي حدثت بشكل مزرٍ للنظام الحاكم في العراق يثور معها سؤال حول ما إن كانت هذه الطريقة في الحكم في العالم العربي قد انزوت أم أن الطريقة التي تم إسقاط هذا النظام بها ربما تؤدي إلى بعثه وازدهاره من جديد؟ وهل هناك ثمة احتمالات لأن تلجأ الولايات المتحدة للاستعانة ببعض بقايا حزب البعث لإدخال بعض عناصر التوازن السياسي وبخاصة بعد اكتشاف قوة التيار الديني في العراق؟ على المعادلة الموجودة على الأرض في العراق؟!
بدأ رضا هلال مساعد رئيس تحرير الأهرام حديثه بالتوضيح أن الصدامية ليست مجرد تعبير صحفي أو تعبير يستخدم في المساجلة السياسية، لكنه تعبير موجود بالفعل، ويعني وجود نظام من الأخطاء والممارسة السياسية، مشيرا إلى أن هذا الأمر تطور عبر التاريخ العربي وخلال القرن العشرين حتى وصل للطبعة الصدامية في العراق.
وصف هلال الصدامية، بأنها نوع من الديكتاتورية الوطنية أو القومية التي تأثرت بعد فترة بالتأثير السوفيتي واستمدت منه اشتراكية الدولية، وأصبحت ذات ملامح اشتراكية، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة لم تبدأ بصدام حسين ولم تنته بسقوط حزب البعث وإنما هى موجودة على امتداد الوطن العربي.
عسكرة
قال هلال إن الصدامية اتسمت بعسكرة المجتمع وأن هذه العسكرة تطلبت دخول الدولة في حروب مستمرة، سواء في الداخل أو الخارج معتبرا أن هذه العسكرة وقمع الداخل كانت تتم تحت شعارات عريضة من قبيل تحرير فلسطين من البحر إلى النهر ومواجهة الإمبريالية الغربية وحراسة البوابة الشرقية للأمة العربية وتحقيق الوحدة العربية، مشيرا إلى أن الإسلام دخل كمكون أيديولوجي في هذه التجربة بعد حرب الخليج 1991، ومؤكدا أن سقوط صدام في النهاية لا يعني سقوط الصدامية.
أشار هلال إلى أن الاحتلال الأمريكي يطرح حاليا مسألة اقتلاع البعثية كما حدث مع ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، معتبرا أن نجاح أمريكا في تحقيق ذلك مرهون بعدة أمور منها أن تكون هناك دولة قانون في العراق تحاكم صدام وأركان البعث وأن يكون هناك حكومة ديمقراطية ووضع اقتصادي مؤهل.
شن هلال هجوما على من وصفهم بالصداميين على امتداد الوطن العربي، ولم يكن يعني بذلك نظم حكم عربية أخرى، لكنه وصف هؤلاء الصداميين بأنهم من يعتقدون ويؤمنون بنظام الحكم الصدامي، إلى جانب اللوبي الصدامي الذي قامت علاقته مع نظام صدام على الارتزاق وبث الدعاية له. وقال إن الصداميين العرب هم أخطر من الصداميين العراقيين لأنهم –العرب- يتهمون الجيش والشعب العراقي بخيانة صدام خلال العقود الماضية ويبررون ذلك بأن صدام كان حارسا للبوابة الشرقية العربية وكان القائد المناوئ لأمريكا وإسرائيل.. قال هلال: كان بإمكاننا أن نصدق هؤلاء لو أن صدام حسين انتصر على أمريكا أو حتى حاربها بشجاعة أو دخل معركة واحدة مع إسرائيل.
واعتبر أن فشل أو نجاح الأمريكيين في إقامة حكم ديمقراطي في العراق يرتبط أيضا بالتوصل إلى تسوية لقضية فلسطين، مؤكدا أنه إذا فشلت أمريكا في العراق وفلسطين فسوف نكون أمام دورة صدامية جديدة وتحالف صدامي إسلامي أو دورة عنف قومية إسلامية في العراق وفي أماكن كثيرة من العالم العربي”. أشار هلال إلى أن الحكومات العربية تقوم بدورها بتوظيف الصداميين لديها في الحياة الثقافية والسياسية بشكل عام مدللا على ذلك برفض البعض للمطالبة بالإصلاح والديمقراطية بحجة حماية الأمن القومي معتبرا أن الحل هو في الوصول إلى عروبة ديمقراطية وإسلام ديمقراطي بما يصب في مصلحة جميع القوى الأخرى في العالم العربي.
وبدأ الدكتور عبد الله الأشعل أستاذ القانون الدولي بالتحذير مما وصفه “بالتنظير” في مسألة الصدامية وقال إنه لا يوافق على أن هناك ما يسمى بالصدامية وأن هناك فقط تجربة حكم صدام حسين التي حكمتها مجموعة من الاعتبارات الداخلية والإقليمية والدولية. أشار الأشعل إلى أن هناك رؤى مختلفة لتجربة حكم صدام وأن البعض قد يعتبره مصلحا قوميا فشلت تجربته بسبب المؤامرات الاستعمارية في حين قد يراه البعض الآخر عميلا ومرتزقا ورأس حربة للاستعمار الأمريكي وأن لحظة من الشقاق أدت إلى انقلاب هذا الاستعمار عليه.
دعا الأشعل إلى التفريق بين حزب البعث كرافد من روافد الفكر القومي وبين تجربة صدام حسين في الحكم، وقال إن صدام تمكن بالفعل من أن يعطي الطابع العراقي للبعث ووضع فاصلا بين البعث العراقي والبعث السوري، مشيرا إلى أن هناك ملامح للسياسة الخارجية لحكم البعث العراقي تتمثل في أن صدام حسين قد لعب دورا إقليميا سواء بالتعاون أو ضد الدولة العظمى وبشكل غير محسوب في الحالتين وأن البعث تجذبه في هذه الحالة المقارنة بينه وبين محمد علي باشا أو جمال عبد الناصر، إلى جانب أن العراق له سمات سياسية أو جيواستراتيجية معينة حكمت سلوك صدام، مشيرا إلى أنه –صدام- فشل في كل الأحوال أن يحقق للعراق شيئا، سواء بدخوله في حرب إيران أو غزو الكويت وأنه كان عبئا على النظام العربي وتسبب في توجيه الضربات أكثر من مرة إلى النظام الإقليمي العربي.
خلص الأشعل إلى أن الحكومات العربية جميعا لا تختلف عن بعضها، وأن الديكتاتورية في كل منها تتخذ الشكل الملائم والمناسب للبلد الذي تحكمه، وأن المهم هو أن يقوم كل بلد عربي بإصلاح نفسه لافتا نفس الوقت إلى أن تجربة صدام حسين اتسمت بالكفاءة الإدارية وأن مغامرات صدام الخارجية وعدم فهمه للنظام الدولي هو الذي أودى به للمصير الذي آل إليه.
قال الأشعل إن أمريكا تنفذ حاليا أهدافا صهيونية واضحة وأن المشروع الصهيوني يعيش الآن “شهر عسل” بفضل العيوب والأخطاء العربية، مشيرا إلى أن شارون يمثل الفكر الصهيوني المستقر بأن تكون إسرائيل القوة العظمى في المنطقة وأنها لكي تصل إلى ذلك لابد لها من قوة عسكرية لا تقهر وتحالف مع القوى العظمى في العالم، إلى جانب اللعب على التناقضات بين دول المنطقة.
وحذر من أن أمريكا وإسرائيل تسعيان إلى ضرب المضامين والأفكار الدينية والقومية في المجتمعات العربية، مدللا على ذلك بما تسعى إليه أمريكا من تخليص العراق من الأفكار البعثية وتشويه صورة البعث وجعل الانتساب إليه يثير الاشمئزاز. وأكد أن انتزاع الجانب القومي والديني من الأمة العربية سوف يحيلها هدفا سهلا للمشروع الأمريكي الصهيوني.
ملامح
وذهب الدكتور محمد السيد سعيد نائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام إلى أن الصدامية هى سمت أو حالة ذهنية أو تشكل خاص في ممارسة سياسة الطغيان وأنها حالة عامة في البلاد العربية، وربما في مجال أوسع من العالم العربي وأوسع كثيرا من تجربة صدام حسين.
وقال إن الصدامية تقوم على تفضيل الطرق السريعة كالانقلابات لإحداث التغيير الاجتماعي والسياسي، ثم تسعى إلى تغذية حزب صغير ليصبح جزءا أساسيا من تشكيل النظام وتحويله لحزب كبير، مشيرا إلى أن حزب البعث لم يكن أعضاؤه يزيدون عن الأربعمائة ثم أصبح هو الحزب القائد بعد تمكينه من السيطرة على الدولة.
وحدد سعيد ملامح لما وصفه بالوعي الصدامي قال إنها تتلخص في العداء للثقافة والمعرفة وتحويل الكليات الاجتماعية إلى ألفاظ تحمل معنى القدسية كالأمة والتاريخ والإنسانية وعدم القدرة على نقد أو التشكيك في هذه الألفاظ إلى جانب أنها تقوم على الغطرسة وعبادة الدولة وتقديس العنف والتوحد مع شخصية الزعيم ونسب كل الأخطاء لرفاقه.
لفت الدكتور سعيد إلى ما وصفه بوجود حالة من “الطلب” على صدام حسين وأمثاله سواء في البلاد العربية وربما في مجال أوسع مشيرا إلى أن هذا “الطلب” يبدو أنه عال للغاية ومستمر لفترة طويلة من الزمن وقد لا يتوقف حتى بعد كوارث مريعة كان لابد لها أن تسفر عن زلزلة طبيعة الشخصية العربية من جذورها.
أشار سعيد إلى أنه في التجارب الصدامية غالبا ما يحدث انصهار سريع بين الحزب والجهاز الأمني بشكل يصعب التمييز فيما بينهم، إلى جانب وجود مشروع ما للهندسة الاجتماعية الشاملة التي تتطلب جراحة شاملة كالتطهير العرقي أو التهجير.
وقال إن من ضمن سمات الوعي الصدامي أنه يقوم على ثنائيات مدببة وحادة جدا كالإمبريالية والوطنية بما يقود لنوع من الصدامية الثنائية والتلاعب بهذه الثنائيات –كما يقول سعيد- يقربنا كثيرا لتشكيلة النظام الصدامي، حيث إنه في إطار الثنائيات يكون هناك النزوع العاتي لشيطنة الجانب المقابل ونزع أي صفة إنسانية عنه فيصبح هو الدمار والطوفان والقاتل ونسب كل عيوب الذات إلى هذا الآخر.
وقال سعيد إن الصدامية تتمثل في أن سماتها أيضا في تحويل الهزائم الكبرى إلى انتصارات عملاقة، مشيرا إلى أن هذا أهم ما تفعله الصدامية هو نزع الحيوية من المجتمعات وترويج النظر للدولة على أنها “المخلص والمُطْعِم” معتبرا أنه لم تكن هنا كفاءة إدارية في العراق ومدللا على ذلك بأن العراقيين كانوا ينظرون للتجربة الاقتصادية المصرية على أنها تجربة رائدة بالنسبة لهم، وأشار إلى أن أهم نتائج الصدامية أيضا هى تدمير النمط المدني للمجتمع وقتل الوحدة الطبيعية العادية كالعشيرة والقبيلة وجعل الأفراد طرفا في علاقة مباشرة مع الدولة.
أما الدكتور يسري مصطفى مدير وحدة البحوث بالمنظمة المصرية لحقوق الإنسان فقد ذهب في طرحه إلى حد نفي وجود شئ –حسب وصفه- اسمه القومية العربية غير بالمعنى النظري وقال إن القومية هى فكرة أما الحقيقة فهى الدولة القطرية التي كانت توظف هذه الفكرة لخدمة مصالحها.
وأشار إلى أن صدام حسين تنازل عن خطابه القومي ولجأ لخطاب إسلامي خالص باعتبار الخطاب الإسلامي أوسع مجالا من الفكرة القومية.
ولفت إلى أن العالم يمر حاليا بمركب عسكري تستخدمه بعض الدول ضد شعوبها ويستخدمه البعض الآخر كأمريكا ضد دول خارجية، مشيرا إلى أن الفكرة الإسلامية اختارت أيضا الخيار العسكري كأساس للمقاومة كما اختارته الفكرة الليبرالية ممثلة في أمريكا ضد العراق.
وأوضح أن أحداث 11 سبتمبر 2001 رفعت شعار الأمن باعتباره يفوق كل الشعارات متوقعا أنه يتم التلاعب بالعمليات الإرهابية كما جرى في الرياض والدار البيضاء للعودة من جديد للتأكيد على البعد الأمني.
وأكد مصطفى أنه لا مستقبل للصدامية بالشكل الذي كان عليه في العراق وأنه ربما تظهر أنساق فرعية مشابهة لها في المستقبل، مشيرا إلى أن هذه الأنساق الفرعية لا تسمح كثيرا ببناء دولة القانون وتجعل المؤسسة العسكرية هى القادر الوحيد على ضبط الأمور.
أشار مصطفى إلى أن المجتمعات تعاني حالة من الإرهاق السياسي غير المسبوق والقوى حتى في أوروبا نفسها مدللا على ذلك بأن أحدا لم يكن يصدق أن يخرج 10 مليون أسباني في مظاهرات رافضة للحرب على العراق ولا يتأثر صانعو القرار في الحكومة الأسبانية بذلك، بما يثير التساؤلات عن موت الرأي العام.
وقال إن الأنظمة العميقة كالحالة الصدامية هى أنظمة شمولية تنفي مجتمعاتها لكنها لا تنفي كل شئ فيها، وإنما على العكس تعمل على خلق انشقاقات داخلية وتجميل انقسامات غير إيجابية داخل هذه المجتمعات وجعل ذلك قائما طوال الوقت.
وأكد على أن هناك تناقضاً واضحاً بين المؤسسات العسكرية وطموحات الشعوب متسائلا عما إذا كانت لدى المجتمعات العربية القدرة على الانخراط مع الشعوب الأخرى لحل هذا التناقض؟!
وفي تعقيبه قال بهي الدين حسن إنه بصرف النظر عن تعريف الصدامية ومستقبلها إلا أنها كسلوك وممارسة تعتبر تقريبا أحط نمط من الممارسة السياسية للحكم خاصة في العالم العربي،مشيرا إلى أن أبرز ملامحها ربما تكون هى مسألة الدموية التي تصل إلى أن حاكما يقود حروبا في مواجهة شعب ويسقط عشرات الآلاف من الضحايا في هذه الحروب، وهو الأمر الذي لم يحدث في أية دولة عربية أخرى في العصر الحديث.  أضاف أن من ملامح هذه الصدامية أيضا وجود حكم الأسرة بالمعنى الحرفي للكلمة وتولي الجهلاء وفاقدي المؤهلات العلمية للمراكز القيادية في العراق إلى جانب غياب النزاهة.

Share this Post