في ندوة حول مستقبل العراق

In صالون بن رشد by CIHRS

مصدر الصورة

استبعد مثقفون مصريون وعراقيون تعرض وحدة العراق للخطر بعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين أمام الغزو العسكري الأنجلو أمريكي لبلاده وطالبوا بإتاحة الفرصة للشعب العراقي من أجل اختيار حكامه في الفترة المقبلة.
جاء ذلك في ندوة نظمها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في إطار صالون ابن رشد تحت عنوان: “مستقبل العراق .. بين الاحتلال والحرب الأهلية والتفتيت والطغيان والديمقراطية”، وأدارها بهي الدين حسن مدير المركز.
وتحدث حازم اليوسفي ممثل الاتحاد الوطني الكردستاني بمصر فأوضح بداية أنه كان يتوقع سقوط نظام صدام حسين بشكل سريع نظرا لانفصال النظام تماما عن الشعب العراقي، إلى جانب أن قيادات حزب البعث في المحافظات كانوا يرفعون معلومات غير صحيحة للحصول على مكاسب أو للإبقاء على صلاتهم بنظم الحكم، وليكونوا من ذوي الحظوة لديه.
وأشار إلى أن الرئيس المخلوع صدام حسين ارتكب جرائم لا يمكن تعدادها وقام بتدمير الإنسان العراقي من الداخل، وربى أجيالاً على مبادئ لا تقوم على الانتماء الوطني للدفاع عنه أو عن الشعب أو عن أية مبادئ إنسانية وإنما تقوم على تقديس وتأليه شخص صدام والحزب ولا شئ غيرهما.
وقلل اليوسفي من شأن ما قيل حول المقاومة الشعبية للقوات الغازية، مشيرا إلى أن معظم الاشتباكات كانت مع مجموعات من ميلشيات حزب البعث الذين لا مستقبل لهم بدون البعث أو صدام. وذهب اليوسفي إلى أن القوات الأمريكية والبريطانية في البصرة وأم القصر لم تكن تريد خسارة أو تضحيات كبيرة في القتال لذلك ترددت في الهجوم على أي موقع تنطلق منه المقاومة، مؤكدا أن الجيش العراقي لم يدخل هذه الحرب.
وقال إنه من البصرة إلى بغداد يعيش أكثر من 10 مليون مواطن ولو أن 10% منهم لديهم روح المقاومة لما استطاع الجيش الأمريكي التحرك لهذه المساحة الطويلة في هذه المدة القصيرة.
وأبدى اليوسفي أسفه لحالات السلب والنهب، وقال إن ما حدث لم يكن في الحسبان لكنه أشار إلى أن هناك بعض الطبقات المهمشة أرادت استغلال هذه الظروف، خاصة مع الانفلات الأمني في بلد ظل مكبلا بالقيود أكثر من 35 عاما، معتبرا أن هذا الأمر كان رد فعل طبيعي لهذه الطبقات بالانطلاق لتدمير كل شئ والاستحواذ عليه.
أضاف أنه من أسباب وقوع هذه الحالات أيضا إفراج نظام صدم حسين منذ فترة عن جميع السجناء العاديين والمجرمين الذين حكم عليهم بالقوانين العادية، وتم تسليح هؤلاء السجناء وإطلاق أيديهم في الشوارع للدفاع عن النظام، معبرا عن اعتقاده بأن عددا كبيرا منهم هم الذين قاموا بأعمال السلب والنهب.

بلد مترابط
وأعرب اليوسفي عن عدم خشيته من قيام حرب أهلية أو طائفية في العراق، لأنه بلد متحد ومترابط، مؤكدا أيضا أن مسألة التفتيت لا وجود لها في خيال العراقيين بمختلف طوائفهم، ونفى أن يكون في الخطاب السياسي أو الإعلامي الكردي متضمنا أي شعار يوحي بأن الأكراد يريدون تشكيل دولة في شمال العراق. مشيرا إلى أن الأكراد يريدون إقامة النظام الفيدرالي داخل العراق الموحد بحدوده السياسية الحالية.
وأضاف اليوسفي أن مسألة التقسيم غير واردة لدينا، مشيراً إلى أنه من مصلحة الشعب الكردي أن يكون جزءا من العراق الموحد بخيراته المزدهرة، بدلا من أن يعيش في دولة صغيرة ومحصورة من قبل الدول الإقليمية ويكون الجميع أعداء لها. وأكد أنه لا أساس أيضا للمخاوف من التقسيم، سواء لدى الشيعة أو السنة.
وأكد على أهمية إقامة حكومة عراقية وطنية انتقالية في العراق الموحد وأن الشعب العراقي لن يرضى بأي احتلال أو حاكم أجنبي، مبديا تفاؤله بأن تشكيل هذه الحكومة من شأنه أن يهيئ الظروف بعد فترة محددة لإجراء انتخابات حرة ومباشرة في العراق.
ولفت الكاتب العراقي صلاح نصراوي النظر إلى أنه لم يعد موضوعيا تسمية المعارضة العراقية بالمعارضة من الآن فصاعدا لأن المعارضة انتهت بنهاية النظام الحاكم الذي كان من الضروري إنهاؤه باعتباره قلعة كبيرة للفاشية في العالم كله وانتهت صلاحيته واستنفذ كل إمكانياته مشيرا إلى أن العراقيين اكتشفوا هاذ الوضع مبكرا، لكن ظل هناك في العالم العربي من كان يعتقد حتى اللحظة الأخيرة أن صدام سوف يصمد وينتصر مؤكدا أن الهزيمة كانت حتمية منذ زمن بعيد.
وأضاف أن العراق الآن يمر بمرحلة تفكيك وإعادة ترتيب مرت بها في بلدان كثيرة منذ القرن الثامن عشر، حيث قام الاستعمار بتفكيك البلاد التي دخلها وإعادة بناء مجتمعاتها حسب متطلبات الدولة المستعمرة.
وأشار إلى أنه مع بدء التحضير للعمليات العسكرية في العراق كان يتم التحضير لعملية سياسية موازية لأن الشعار الذي كان مطروحا من البداية هو تغيير النظام العراقي، بما أثار تساؤلات حول مستقبل العراق وشكل النظام القادم فيه، وتم على ضوء ذلك تشكيل لجان عمل في واشنطن في محاولة استقراء وبحث كل جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والعسكرية والأمنية لاستقراء شكل النظام الجديد في العراق.
وأوضح أن أطرافا عراقية شاركت في هذه العملية البحثية، وأنه تم انتقاء هذه الأطراف بعناية فائقة وتم الوصول لتصورات لم ينشر معظمها حول شكل النظام القانوني والدستوري وتركيبة الجيش والأمن ومستقبل الاقتصاد العراقي، وخاصة فيما يتعلق بالبترول، مشيرا إلى أن هذه التصورات يجري تطبيقها ووضعها على الأرض.
وتوقع نصراوي أن مستقبل العراق سيمر بثلاثة مراحل تكون الأولى مرحلة حكم عسكري مباشر، يتلوها مرحلة ثانية تتمثل في إدارة مشتركة وهى التي بدأ العمل على إنشائها منذ الاستيلاء على بغداد ,,,,,,,, العراقيين وهو يقتضي وجود واجهة عراقية. ويلي ذلك مرحلة ثالثة انتقالية، يتم فيها إعداد دستور دائم وقوانين يتم التصويت عليها في استفتاء شعبي ليتم الانتقال للوضع النهائي.
وحول مدى قبول هذه التطورات من جانب العراقيين، أشار إلى أنه كان واضحا أن العراقيين غير قادرين على تغيير النظام وأن من قام بذلك هم الأمريكيون، مشيرا إلى وجود عملية احتجاج طبيعي في العراق لأن المواطن العراقي لن يقبل بقوة محتلة في بلاده.

نتائج غير طيبة
وبدأ الدكتور مصطفى كامل السيد مدير مركز بحوث ودراسات الدول النامية بجامعة القاهرة حديثه بالإعراب عن تشاؤمه الشديد إزاء ما يمكن أن يرتبه الغزو والاحتلال من نتائج بالنسبة لمستقبل العراق والمنطقة برمتها. مشيرا إلى أننا أمام مخطط أعدته المجموعة الحاكمة في واشنطن والتي تحيط بالرئيس الأمريكي في واشنطن وتحدد له ما الذي يفعله في العراق ثم في سوريا والسعودية ومصر.
وأشار أن المخطط الأمريكي بدأ مع انهيار الاتحاد السوفيتي وبزوغ الرغبة في أن تبقى أمريكا القطب الوحيد لقرن قادم، مستفيدة من استمرار تفوقها العسكري، مشيرا إلى أن المجموعة الموجودة الآن في دائرة اتخاذ القرار وضعت لديها مخطط واضحاً ليس للعراق فقط، ولكن أيضا لسوريا وعدد من الدول العربية، وأشار إلى أنه لا يمكن الحديث عن مستقبل العراق بمعزل عن فهم ومعرفة أفكار المجموعة الحاكمة في واشنطن حاليا.
واعتبر د. مصطفى أن المؤهل لمجاراة السيناريو الأمريكي في العراق هم الأكراد مرجعا ذلك إلى أنهم يريدون الإبقاء على المكاسب التي حصلوا عليها بعد حرب الخليج الثانية، لافتا إلى أن واشنطن حريصة على إرضاء تركيا التي تعتبر أهم بالنسبة لها من أكراد العراق، وهى –تركيا- لا تريد دولة كردية في شمال العراق أو مجرد فيدرالية لذلك فإن أمريكا –والكلام للدكتور مصطفى السيد- سيعطي الأكراد نوعا من الاستقلال الفعلي ، ولكن دون مسمى فيدرالي وأوضح أن أقساما مهمة من الشيعة لا يبدو أنها ستشارك في المخطط الأمريكي، مشيرا إلى أن فكرة إقامة دولة إسلامية في العراق يحمل لواءها المجلس الأعلى للشيعة هى فكرة تسبب القلق للولايات المتحدة نظرا لعلاقة الشيعة مع إيران.
وقال إن تمثيل السنة في الأطراف التي تتعامل مع أمريكا ينحصر في الحركة الملكية الديمقراطية، لذلك يشعر السنة أنهم مغيبون. مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تفعل ما كانت تفعله الإدارات الاستعمارية البريطانية في العراق والتي كانت تستريح للتعامل مع مشايخ القبائل والعشائر.
وأكد أن الولايات المتحدة ستواجه مشاكل حقيقية في العراق، مؤكدا أن الصور التي تم بثها حول الترحيب بالوجود الأمريكي في العراق تنطوي على الخداع والكذب.
وأكد أن هناك صعوبات ستواجه أيضا أمريكا في مدى قدرتها على توفير مستوى الرفاهية للشعب العراقي وإعادته لمستويات السبعينيات، مشيرا إلى أن نصف الدخل العراقي سيذهب في إعادة الإعمار. وأكد الدكتور مصطفى السيد أنه لن يكون سهلا تنفيذ المخطط الأمريكي لأنه لا يوجد شعب قبل بالاحتلال لبلاده، متوقعا أن ينتهي الأمر إلى أن يستقر العراق في أيدي ترضى عنها الولايات المتحدة مع بقاء الحكم العسكري ووجود تغيير تجاه الصلح مع إسرائيل.
لكن الدكتور مصطفى كامل السيد، أكد أن الولايات المتحدة تنظر إلى تقسيم العراق باعتباره يمثل خطرا على مصالحها، لكنها ستحرص على إضعاف الحكومة المركزية في العراق ليبقى موحدا، ولكن تحكمه حكومة ضعيفة يتم حرمانها من العائدات الضخمة لقطاع النفط.
وأشار إلى أن هناك صعوبات كثيرة تحيط بمسألة أن يكون في العراق نظام ديمقراطي، لافتا النظر في ذلك إلى التحفظات الأمريكية على عديد من القوى السياسية العراقية، وقال: لا أتصور أن تكون هناك إمكانية لتحسن هائل في الأوضاع الإنسانية السائدة في العراق، حيث ستقوم أمريكا باستخدام عائدات النفط في الوفاء بالديون إلى جانب عدم تحسن الأوضاع الصحية والتعليمية كثيرا.
ذهب السيد إلى أن أصدقاء أمريكا من العرب هم أكثر من يشعرون بالقلق في كيفية التعامل مع الحكومة العسكرية والحكومة الانتقالية التي ستعترف بإسرائيل، معتبرا أن الواجب على العرب الآن هو الاستمرار في التضامن مع شعب العراق محذرا من أن مجرد الاعتراف بحكومة عسكرية أو انتقالية يعني إعطاء الشرعية لحرب غير عادلة وغير مبررة.

تفاؤل
وعبر نجاد البرعي المحامي ومدير جماعة تنمية الديمقراطية “سابقا” عن شعوره بأن العرب غير مهتمين بالعراق بشكل كاف وأن الاهتمام منصب فقط على الآراء السياسية والأيديولوجية، مدللا على ذلك بأن الجميع كان يعلم بحجم المعاناة التي يعيشها الشعب العراقي تحت قهر نظام صدام حسين، ومع ذلك لم تخرج مظاهرة عربية تنادي بالحرية للشعب العراقي.
أضاف أننا كنا في البداية نتمنى أن تنهزم أمريكا دون اهتمام بأن نتيجة ذلك تعني استمرار نظام صدام ثم تحول الأمر لسقوط مخز لنظام صدام.
وعبر البرعي عن تفاؤله الشديد بإمكانية تشكيل الحكومة الانتقالية، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة بالتأكيد لها مصالحها، لكننا نغفل أنه من الممكن في بعض اللحظات السياسية أن تتقارب المصالح ثم تتباعد. وقال إن الجامعة العربية التي يستجدي البعض لها دورا في المرحلة الانتقالية في العراق لابد وأن نقول أولا ماذا قدمت للشعب العراقي معتبرا أن الكراهية لأمريكا لم يعرف بعد كيف ترجمتها إلى خطط عملية حقيقية..
وأضاف أن هناك عشرات الدعاوى القضائية التي سيتم رفعها ضد النظام العراقي السابق، متسائلا عما إذا كان النظام القضائي الحالي قادراً على البت في هذه الدعاوى؟.
وأجاب بأن النظام العراقي أفسد النظام القضائي القديم ونظرا لوجود ثأر لكل مواطن عراقي مع نظام صدام فإنه لا يمكن توفير محاكمة عادلة لصدام وأركان نظامه. وخلص من ذلك إلى المطالبة بتوفير الدعم للنظام القضائي العراقي حتى لا يدخل في تصفية حسابات وأعمال ثأرية وانتقامية، وأضاف أن الشعب العراقي عاش 30 عاما تحت القهر وأن الحكومات العربية مطالبة بوضع برامج لإعطاء خبرات في الديمقراطية للشعب العراقي، وذلك بمشاركة المنظمات غير الحكومية العربية.
وأكد أن هناك حاجة ماسة لأن تقدم الدول العربية خبراء في مجالات مختلفة للعراق لضمان أن يظل متماسكا، وينتهي بدولة ديمقراطية، وقال البرعي إن مهمة الأحزاب والنقابات والجمعيات الأهلية العربية التي تريد خدمة الشعب العراقي، وليس الشماتة فيه أن تقدم الكوادر والدعم للنظام القضائي، وأفكار الديمقراطية، وأن تضع تصورها للشكل الذي تريد العراق أن يكون عليه.
انتقد البرعي إدخال إسرائيل في موضوع مستقبل العراق وقال إنه إذا حدث التغيير الذي يتم الحديث عنه في علاقة العراق بإسرائيل، فإن هذا سيكون تقصيرا منا نحن العرب، وأشار إلى أن مشايخ العشائر والقبائل هم أنفسهم الذين كان يفخر بهم النظام العراقي وأن أي سلطة تدخل العراق لابد وأن تضع خططا لإنقاذه وليس الشماتة فيه

Share this Post