باستثناء التكنولوجيا الوافدة.. ماذا تغير في الإعلام العربي بين يونيو 1967 وأبريل 2003

In صالون بن رشد by CIHRS

في ندوة دعا إليها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان تحت عنوان: “باستثناء التكنولوجيا الوافدة.. ماذا تغير في الإعلام العربي بين يونيو 1967 وأبريل 2003” ربط بهي الدين حسن مدير المركز في بدايتها بين نكستي يونيو 67 وأبريل 2003، مشيرا إلى أنه في يونيو 1967 لم يتم اكتشاف الهزيمة، إلا بعد مرور 5 أيام على وقوع الحرب، الإعلام العربي كان يروج إلى أن الجيوش العربية هى أقوى قوة ضاربة في الشرق الأوسط وكان يروج لنا ضعف العدو الصهيوني وأن الجيوش العربية سوف يترك هذا الكيان وتصل إلى تل أبيب، مشيرا إلى أن أحد أبرز نجوم هذه الفترة كان الإعلامي الشهير أحمد سعيد المذيع بإذاعة صوت العرب والذي كان يزف انتصارات غير صحيحة واكتشف الرأي العام العربي بعدها أنه لم يكن يعرف شيئا، فلم يكن يعرف حقيقة ضعف الجيوش والأنظمة العربية ولا حقيقة قوة العدو الصهيوني.
أضاف بهي أنه في أبريل 2003 لم يكن الشعب العربي يعد نفسه لانتصار عراقي على القوات الأمريكية، لكن كانت قد تمت تهيئته من قبل القيادة والإعلام العراقي لما سمى بمعركة بغداد، حيث كان الخطاب العراقي يروج للقول بأنه سيتم سحق القوات الأمريكية على أسوار بغداد وكان نجم هذه الفترة هو وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف الذي اتبع نفس أسلوب أحمد سعيد وإن كان قد فعل ذلك بشكل فكاهي.
أشار بهي كذلك إلى أن التضليل الإعلامي برز كذلك في التعمية على موقف الشعب العراقي من صدام حسين، وهو الموقف الذي لم يكشف عنده إعلاميا، إلا مع سقوط بغداد.
ولفت حازم عبد الرحمن نائب رئيس تحرير الأهرام إلى أنه في عام 1967 كان أحمد سعيد مجبرا على إذاعة البيانات وقد وجدت قبولا لدى الجماهير العربية التي كانت مهيأة لها، مشيرا إلى أنه في الأحداث الأخيرة، ورغم الزيادة الواسعة في الصحف والصحفيين ووسائل الإعلام المختلفة والفضائيات، إلا أن قطاعا كبيرا من المصريين كان راغبا في أن يتعاطى التضليل الإعلامي وعندما كان يواجه بمعلومات تفيد أن العراق لن يصمد أمام القوات الأمريكية كان هذا القطاع لا يصدق هذا الكلام، وكشف عبد الرحمن أنه نتيجة لذلك فإنه كان يطلب من الصحفيين تخفيف اللهجة حتى لا يصدم القارئ، مشيرا إلى أن هناك العديد من الصحف التي مارست هذا الدور وعملت على حشو عقل المواطن بطريقة غير صحيحة مما أصابه في النهاية بإحباط كبير.
لا يوجد تشابه
أما الكاتب الصحفي حسنين كروم مدير مكتب جريدة القدس العربي بالقاهرة فقد بدأ بنفي عدم وجود وجه للشبه بين ما حدث في 1967 وما حدث في 2003 وأن نكسة 1967 كانت أعمق لأنه كان هناك حديث عن اجتياح لتل أبيب، أما في الحالة الراهنة، فإنه لم يتخيل أحد قدرة العراق على هزيمة الأمريكيين، مشيرا إلى أن تضليلا إعلاميا متعمدا قد حدث من الجانب الأمريكي في هذه الحرب، حيث تم التعتيم على الأهداف الأساسية لهذه الحرب. أوضح كروم أن الولايات المتحدة حاولت في البداية تحميل الجانب العراقي مسئولية الحرب لأن صدام لم يقبل قرار التنحي، متناسين ما قاله وزير الخارجية كولن باول أمام الكونجرس الأمريكي من أن تغير النظام العراقي هو مقدمة لإحداث تغيير في المنطقة لتتواءم مع المصالح الأمريكية.
واعتبر كروم أن من محاولات التضليل الإعلامي التي درجت أيضا محاولة إقناع الجماهير بأن الشعب العراقي لم يقاوم مؤكدا أن هناك من قاوم وضحى في مواجهة هذا العدوان، وقال إن البعض حاول تصوير المظاهرات التي جرت في بغداد عقب سقوطها وكأنها انتفاضة شعبية ضد نظام الحكم في حين أن أعداد الموجودين في هذه المظاهرات لم تتعد العشرات، وخرج الآلاف في مظاهرات أخرى تطالب بالانسحاب الأمريكي من العراق.
تضليل دولي
وتحدث طارق الشيمي مراسل قناة أبو ظبي فأشار بداية إلى أن التضليل الإعلامي العربي ليس إلا جزءا من منظومة تضليل دولي مناحي كثيرة من الحياة متسائلا: بماذا نسمي إذن تشويه صورة العرب وتحقير صورة السود في مقابل نعت اليهود بالعبقرية والتفوق؟
أكد الشيمي أن ما حدث في 1967 من نشر بيانات مضللة لم يكن سوى انصياع لطغيان الدولة وسيطرتها الكاملة على وسائل الإعلام التي لم يكن أمامها أدنى فرصة لتفعل غير ما فعلت، مشيرا إلى أن ما حدث في أبريل 2003 عبر الصحاف لم يكن سوى أمر مطالب في هذا الكذب الفاضح الذي ينافي ما نعلمه من نتيجة القتال وقال: لكن المفارقة هى أن الصحاف على قدر جاذبية شخصيته وطريقته المؤثرة، خصوصا حينما كشف زيف الأمريكيين إلا أنه ترك باختفائه المفاجئ علامات استفهام كثيرة وتساؤلات عن كيفية أن يعهد إليه بهذه المهمة الخطيرة لإذكاء روح المقاومة.
قال الشيمي إنه بصرف النظر عما فعله الصحاف فإن نظرة فاحصة على وسائل الإعلام والفضائيات الكفيلة بأن تكشف لنا أنها سقطت فيما كان لا ينبغي أن تسقط فيه، مشيرا إلى أنها وإن كانت قد نقلت صورا للمقاومة العراقية، إلا أنها لم تتمكن من التخلص من الضغوط الأمريكية التي فرضت استخدام بعض المصطلحات مثل حملة أو هجمة بدلا من عدوان واستضافت –الفضائيات- بعض المراقبين الذين تبنوا النظرة الأمريكية.
دلل الشيمي على ذلك بالمحاكاة التي قامت بها بعض الفضائيات العربية في نقل عملية إسقاط تمثال صدام حسين لمدة عدة ساعات أسوة بما فعلته محطات غربية بدعوى المنافسة مع هذه المحطات، وكأن تحطيم التمثال هو الهدف الأساسي لعملية الغزو.
أكاذيب
وتحدث طارق حسن الصحفي بالأهرام عن تجربة زيارته للعراق قبل اندلاع الحرب وما واجهه خلالها من صعوبات في نقل الحقيقة عما يجري هناك في ظل بداية الإجراءات الصارمة من قبل المسئولين العراقيين ثم إجراءات الرقابة من قبيل وجود مرافق خاص بالصحف والاطلاع على المواد الصحفية المرسلة والاحتفاظ بأصولها لدى الجانب العراقي.
قال حسن إن ما كنا نرسله كان هو الأخبار الروتينية إلى جانب بعض المؤتمرات الصحفية وإن من كان يخالف هذه القواعد يكون جيدا بالنسبة له لو كان مصيره الطرد فقط. أكد حسن أن الإعلام العربي كان يتحدث عن وجهات نظر وليس عن الحقيقة الموضوعية، مشيرا إلى أن زيارته لبغداد كشفت له العديد من الأكاذيب، وفي مقدمتها القول بأن الحصار الأجنبي هو سبب إفقار الشعب العراقي، مشيرا إلى أن ذلك يمثل جزءاً من الحقيقة التي تتمثل في أن المسئولين العراقيين كانوا السبب الأكبر و”الألعن” من الحصار الأجنبي معبرا عن استغرابه من أن هذا الحصار كان سببا في زيادة ثروات هؤلاء المسئولين واحتكاراتهم.
أضاف أن الأكذوبة الثانية تتمثل في القول بترحيب الشعب العراقي بالمظاهرات التي تخرج في مصر مشيرا إلى أن الشعب العراقي كان يتساءل عن سبب هذه المظاهرات وأنه كان هناك حقداً من الشعب العراقي على المصروفات التي كانت تنفقها الدولة على استضافة الصحفيين العرب والأجانب في الفنادق التي كان يخدم بها عراقيون.
وأضاف إن النظام العراقي كان يضع آليات عسكرية في داخل المناطق المدنية وأن ثلاثة أرباع المراسلين في فترة الحرب كانوا ينقلون وجهات نظر ولا يملكون معلومات لنقلها وهى المعلومات التي كان يمتلكها فقط الصحاف الذي كانت رسالته الدائمة هى الإعلان عن سقوط مدنيين باستمرار دون إعطاء رقم للخسائر العسكرية.
قال حسن نحن أردنا عكس وجهات نظرنا فتحدثنا عن مقاومة عراقية كانت هى أمنيتنا ولم تكن هى الواقع وإن كان هناك ما يمكن تسميته بمقاومة حزبية ومقاومة منظمة من أطراف حكومية مشيرا إلى أنه لو كانت هناك مقاومة شعبية لكنا سنرى تكرارا لما حدث في كنيسة المهد.
ولفت النظر إلى أن بعض الحكومات العربية التي باعت مواقفها للأمريكيين، فإنها في نفس الوقت باعت إعلامها بشكل آخر بإعطائه خطابا بمنطلقات قومية، مشددا على ضرورة التمسك بالضمير المهني والصحفي في الإعلام العربي، وقال إنه في معركة مثل هذه سقطت أخلاقيات عديدة جدا في عدد كبير من الصحف.
مدرسة إعلامية
وأشار الكاتب الصحفي صلاح عيسى رئيس تحرير جريدة القاهرة إلى أنه على امتداد 40 سنة هناك اتباع لمدرسة إعلامية واحدة وثابتة بنفس الأكاذيب والقصص.
قال عيسى إنه في يونيو 67 كنا لا نسمع سوى إذاعة مصر ولم نكن نرضى أن نسمع إذاعات أخرى وأن أول رد فعل حين اكتشاف الهزيمة كان هو الحديث عن الخيانة، وتحليلات حول الذي خان ووقوع خلافات بين أنصار المشير عامر وأيضا عبد الناصر. أضاف عيسى أن صدام كان أمل الأمة العربية ويوم 1 أبريل قيل أنه خان، مشيرا إلى أن الكاتب الصحفي الراحل عادل حسين كتب سلسلة مقالات بعد حرب الخليج الثانية، قال فيها إن الجيش العراقي دوخ الأمريكيين وأهدر لهم كما من الذخائر لا أول له ولا آخر وأن الجيش الأمريكي. قام بإطلاق صواريخ على الحمير مشبها ذلك –عيسى- بحكاية الكلاب المفخخة التي ترددت عن مطار بغداد.
وأشار إلى أن الإعلام المصري والعراقي في 1967 و2003، كان إعلاميا تعبويا وموجه، وقال إنه في الإعلام الحر يمكن أن تكون هناك نسبة انحياز، لكنها تقل إلى أدنى درجة بمقدار ممارسة التقاليد المهنية.
لفت عيسى إلى أنه في الإعلام المصري لم تهتم جريدة واحدة أو قناة قضائية بأن تستضيف معارض عراقي واحد لسؤاله في الموضوع معتبرا أن هناك نوع من الإرهاب تشكل تحت ضغط قوى سياسية محددة. وقال إن صحيفة الأهرام حاولت في الأيام الأولى للحرب عرض الأمور بشكل محايد وأنها واجهت هجوما شديدا من البعض. وأضاف عيسى إنه كانت هناك أمة لديها استعداد للانخداع، وإن الإعلام كان إعلام غسيل مواقف، وان لجأت لنوع من تقسيم الأدوار بإعطاء قاعدة عسكرية للأمريكيين وإعطاء قناة الجزيرة للعراقيين ويسري ذلك أيضا بالنسبة للإعلام السعودي.
ولفت بهي الدين حسن إلى المفارقة فيما بين عامي 67 و2003، حيث كان في عام 1967 إعلام الصوت الواحد هو السائد تقريبا في كل دول العالم العربي، ولم يكن هناك إعلام تعددي، وكان الإعلام متخلفا للغاية وفي عام 2003، على الرغم من وجود تكنولوجيا متقدمة وإعلام تعددي وفضائيات استطاعت القيام بدور منافس للفضائيات الغربية، إلا أن الخديعة استمرت على مدار 40 سنة وقام الإعلام بخداع الرأي العام فيما يتعلق بحقيقة الأمور، سواء في 1967 أو في 2003.
وأشار إلى مفارقة أخرى تتعلق بالصورة التي يصنعها الإعلام العربي لصدام حسين باعتباره مدافعا عن القضية الفلسطينية في حين أن الحقيقة الفعلية له أنه لم يقدم شيئا لتلك القضية، وكانت مدافعه موجهة في الاتجاه المضاد، سواء في ضرب الثورة الإيرانية أو في غزو الكويت، إلى جانب أنه أسهم في إفقار الشعب العراقي وظهر بعد الحرب أنه كان يخفي ملايين الدولارات وقال نحن نتكلم عن صورة مناقضة تماما للحقيقة.
واعتبر بهي الدين حسن أن الصحف العربية كانت أكثر شراسة في الدفاع عن صدام حسين من دباباته، مشيرا إلى أن عبارة صدام الشهيرة بأن الصحفي أرخص من الدبابة لا تعني أنه يمكن شراؤه بالمال، ولكنه أيضا يبيع الوعي والصورة الزائفة.

Share this Post