تعديلات الدستور الجديدة لمكافحة الإرهاب: انتهاك لحقوق الإنسان وقمع للحريات باسم الدستور

In صالون بن رشد by CIHRS

عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ندوة في إطار صالون ابن رشد، في يوم الأربعاء 24 يناير 2007، بعنوان “التعديلات الدستورية لمكافحة الإرهاب.. هل هي تعزيز للمواطنة أم اعتداء علي حقوق الإنسان؟”، وقد شارك في فعاليات الندوة كل من الأستاذ صبحي صالح عضو مجلس الشعب عن الإخوان المسلمين، والأستاذ ضياء رشوان الخبير بمركز الأهرام لدراسات السياسية والإستراتيجية، والأستاذ إيهاب سلام المحامي والناشط الحقوقي، وتولى إدارة الندوة بهي الدين حسن مدير المركز.
عبَّر المشاركين بالندوة عن مخاوفهم من أن تؤدي التعديلات الدستورية التي طرحها الحزب الوطني الحاكم إلي إنشاء نظام قضائي جديد وموازي فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وقد وصف بعضهم تلك التعديلات بأنها تمثل تدشينا لنظام سياسي جديد يحمل اسم ” الدولة البوليسية الدستورية “، وطالبوا بسرعة الكشف عن مضمون ونصوص هذه التعديلات أمام الرأي العام
وقال بهي الدين حسن أن التعديلات الدستورية التي طرحها الرئيس مبارك مؤخرا تعتبر الأكبر من نوعها منذ عرفت مصر الدساتير، مشيرا إلي أن ما احتوته التعديلات بشأن إصدار قانون لمكافحة الإرهاب، سوف يؤدي لتعديلات في الضمانات الموجودة بالمواد 40 و41 و45 من الدستور، والإطاحة بهذه الضمانات، بحيث يمكن للحكومة أن تتقدم بالقانون الجديد وهي مطمئنة إلي عدم الطعن علي دستوريته.
ودعا إيهاب سلام إلي توفير ضمانات حقيقية للمواطنين والمجتمع قبل صياغة هذا القانون الخاص بمكافحة الإرهاب، مشيرا إلى وجود آلاف المواطنين الذين يعتقلون بصورة متكررة وفق قانون الطوارئ، كما يوجد من حصل على عشرات الأحكام بالبراءة والإفراج دون تنفيذها، في عدم احترام لأحكام القضاء، مشددا على ضرورة أن يتضمن القانون الجديد تعريفا واضحا ومحددا للجريمة الإرهابية، خاصة في ظل ما وصفه بعدم احترام السلطات حتى لقانون الطوارئ نفسه، مشيرا إلى أن قانون الإرهاب سوف يكون أكثر خطورة من قانون الطوارئ.
وأضاف سلام أن قانون الطوارىء انتهك بشكل واضح وصريح كافة حقوق المواطنين وحرياتهم، وأعطي سلطات واسعة في القبض بدعوى الاشتباه ودون أجراء أية محاكمة، مشيرا في نفس الوقت إلي أن الواقع العملي أثبت أن الضمانات التي يتضمنها هذا القانون شكلية، ولم يتم احترامها، حيث تم اعتقال عشرات الآلاف من المواطنين وتكرر اعتقال بعضهم لفترات تجاوزت 15 عاما.
لفت سلام إلي أن حريات المواطنين غير محمية بالدستور فقط وأن هناك المواثيق الدولية التي تكفل هذه الحماية، منتقدا ما تسرب بشأن قانون الإرهاب الجديد وسعيه إلي ما سمي بـ” منع الضرر”وهو ما يعني المعاقبة علي النيات ، بما يثير المخاوف خاصة في ظل عدم إمكانية التعويل علي الحماية القضائية في ظل هيمنة السلطة التنفيذية علي شئون القضاء.
ووصف صبحي صالح هذه التعديلات بأنها اختراعا حكوميا جديدا، وتدشينا للدولة البوليسية الدستورية، بشكل يعلي من الفكر البوليسي علي فكرة الحقوق والحريات، والقضاء والضمانات الدستورية.
وكشف صالح عن أن مصر لا تزال تحكم بقوانين وضعت في عهد الاحتلال الإنجليزي للبلاد ،كالقانون رقم 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر والقانون رقم 14 لسنة 1923 بشأن الاجتماعات العامة والقانون 85 لسنة 1949 بشأن حفظ النظام في معاهد التعليم، مشيرا إلي أن فترة ما بعد الثورة شهدت ترسانة أخرى من القوانين التي عمدت إلي تشديد عقوبات وأحكام الجريمة السياسية في القانون.
أضاف صالح أن السادات أبقي علي قانون الطوارىء وأصدر دستور 1971 مضمنا إياه بابا مهما هو باب الحقوق والحريات لكنه ظل معطلا بقانون الطوارىء وقال إن السادات حينما أراد وقف العمل بالطوارىء قام بإصدار 13 قانونا – وصفت بالقوانين سيئة السمعة – من بينها قوانين العيب والأحزاب وسلطة الصحافة.
استطرد صالح مشيرا إلي أن نظام الرئيس مبارك يتعامل مع الشعب المصري بذات المنطق الذي كان يتعامل به الاحتلال، فعندما تخرج مظاهرة للتعبير عن رأيها بطريقة سلمية يستخدم النظام الحاكم القانون الذي وضع أيام الاحتلال ويحشد الآلاف من جنود الأمن المركزي للتصدي لهذه التظاهرة!
وأشار صالح إلى أن النظام الحالي يحكم بترسانة من القوانين سيئة السمعة التي تراكمت في العهود السابقة إلي جانب إصدار عدة قوانين غلظ بها عقوبة السجن والغرامة وفى عام 1992 أصدر قانون 97 لسنة 1992 سماه قانون مكافحة الإرهاب تضمن العديد من الكوارث المدمرة للمجتمع، ففي المادة 86 وحدها على سبيل المثال وضع بها 25 فعلاً محظورًا، وطلب من القاضي – حسب نص المادة – أ يتجرد من إنسانيته ومنعه من استخدام الرأفة.
وقال صالح إن تجربة النظام الحاكم مع الشعب تؤكد أن التعديلات الدستورية المطروحة هدفها تدشين نظام سياسي جديد أطلق عليه اسم ” الدولة البوليسية الدستورية”، مدللا على هذه الرؤية بإعلاء التعديلات من شأن الأمن على حساب حقوق وحريات المواطنين، وقد أراد النظام أن يمنح الانتهاكات المستمرة للشرطة شرعية تسمح لرجالها بصنع ما يشاءون مع ضمان عدم المساس بهم.
وقال إن المنظومة القانونية المصرية لا تحتاج لقانون إرهاب جديد، لأن النظام القانوني المصري مليء، بشكل متفرد ولا مثيل له في العالم، بترسانة من التشريعات الأصلية والاستثنائية لمكافحة الإرهاب.
فيما عبَّر ضياء رشوان عن مخاوفه من أن تقود التعديلات الدستورية فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، إلي إنشاء نظام قضائي جديد وموازي تحت مسمي ” المدعي العام لمكافحة الإرهاب” علي غرار تجربة المدعي العام الاشتراكي!
ودعا رشوان إلي الكشف الفوري عن النصوص المطروحة للتعديلات الدستورية وعدم إحاطتها بالغموض وتركها للاستنتاجات، محذرا من خطورة ما حملته التسريبات بشأنها حتى الآن، وقال إن النظام القضائي الجديد المستهدف أقامته تحت دعوى مكافحة الإرهاب، سوف يتضمن كافة أدوات النظام القضائي من قانون وأجهزة وسلطة بالإضافة إلي أنه سيكون انتقائيا في ظل هيمنة السلطة التنفيذية عليه.
وقد انتقد رشوان ما ورد من حديث في التعديلات الدستورية حول “تجفيف منابع الإرهاب” وقال إن مثل هذا الحديث من شأنه توسيع دائرة التجريم لتطال أكبر عدد من المواطنين والسياسيين والكتاب والصحفيين؛ لاحتوائه علي مدلولات وعبارات غير محددة وفضفاضة للغاية.

Share this Post