قانونا “مكافحة” الإرهاب: انقلاب جديد على الدستور

In تقارير متخصصة, مواقف وبيانات by CIHRS

مركز القاهرة يرسل مذكرة قانونية لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء حول قانوني “تعزيز الإرهاب والدولة البوليسية”

المذكرة: القانونان المقترحان يشكلان أخطر هجمة تشريعية أمنية منظمة على الحريات العامة منذ 37 عاما

cover154014

أرسل مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، أمس الاثنين 14 ابريل 2014، خطابًا للسيد رئيس الجمهورية مرفقًا به مذكرة قانونية (من 28 صفحة) تتضمن تعليقًا قانونيًا مفصلًا على أهم مواد قانوني مكافحة الإرهاب اللذان أعدتهما الحكومة، وهما مشروع قانون “بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات”، ومشروع القانون الثاني “بشأن الأحكام الإجرائية لمكافحة الإرهاب والتعاون القضائي الدولي”. كما أرسل المركز أمس صورة من المذكرة القانونية نفسها لرئيس مجلس الوزراء وذلك بعدما قرر رئيس الجمهورية أمس إعادة المشروعين لمجلس الوزراء من أجل إجراء حوار مجتمعي بشأنهما. كان مجلس الوزراء قد سبق ووافق على المشروعين وأحالهما لرئيس الجمهورية في الثالث من أبريل الجاري؛ من أجل إصدارهما.

في خطابه لرئيس الجمهورية، طالب المركز بعدم إصدار القانونين، لأنهمايشكلان انقلابًا ثانيًا على دستور –لم يجف المداد الذي كتب به بعد– أقره الشعب في استفتاء يناير 2014، وانتهاكًا فظًا لأحكام المحكمة الدستورية العليا، بما في ذلك الأحكام التي صدرت بمشاركة القاضي عدلي منصور قبل أن يصبح رئيسًا للجمهورية.

يشكل هذان القانونان اعتداءً جسيمًا على الحريات العامة وحقوق المواطنين المصريين، وانتهاكًا صريحًا لالتزامات مصر الدولية. وفى الوقت نفسه لا يساعدان على تعزيز مكافحة الإرهاب، وسد الفجوات التي تتسع يومًا بعد يوم في المواجهة الأمنية ضد الإرهاب. ويجدد المركز في هذا الصدد مطالبه بضرورة القيام بمراجعة جذرية لكل الرؤى و السياسات والممارسات والتشريعات ذات الصلة التي تم تبنيها منذ الثالث من يوليو العام الماضي، والتي أسهم بعضها في تحقيق هذا الفشل الفاضح في مكافحة الإرهاب، وفى احترام حقوق الإنسان. ويؤكد الدولة البوليسية والإرهاب توأمان ملتصقان يصعب الفصل بينهما دون موتهما معا، وقانون الإرهاب المقترح ليس سوى دليلًا إضافيًا عن علاقة التوأمة بينهما. وهذا ما سبق أن أكدته 15 منظمة حقوقية، بينها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في ورقة موقف مشتركة بخصوص هذا القانون صدرت بتاريخ 5 أبريل 2014.

اعتبر المركز أن مشروعي القانونين يعتبران أخطر هجمة تشريعية منظمة ذات طابع أمني منذ عام 1977، حين شن الرئيس الأسبق أنور السادات هجمة تشريعية ذات طابع أمني مماثل على الحريات العامة وحقوق الإنسان، بدأت في فبراير 1977، بعد أسبوعين فقط من انتفاضة يناير 77، ثم عُززت تلك الهجمة بعدة تشريعات أمنية. وقد نجحت هجمة السادات حينذاك في إغلاق المجال العام وقمع الحريات العامة، ولكنها فتحت الأبواب أمام أكبر موجة من أعمال الإرهاب في مصر، تواصلت لعقدين من الزمن ودفع هو حياته خلالها. ومازالت مصر تدفع الثمن.

أوضح مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في مذكرته القانونية أن مشروع القانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات تبنى تعريفًا فضفاضًا للإرهاب، يخالف أبسط قواعد الشرعية الجنائية التي أقرتها المحكمة الدستورية العليا، عن ضرورة وضوح النص العقابي وتحديد مقاصده. كما أن مشروع القانون رتب عقوبات على الاتفاق الجنائي في جرائم الإرهاب، و هو ما يعتبر بمثابة إعادة إحياء لنص المادة 48 من قانون العقوبات، التي حكم بعدم دستوريتها، وكان القاضي عدلي منصور عضو هيئة المحكمة التي أصدرت الحكم في ذلك الوقت. كما وضع مشروع القانون قيودًا عديدة على حرية الرأي والتعبير، والرقابة على المواقع الإليكترونية، بشكل يجعل مجرد ممارسة تلك الحقوق محفوفًا بمخاطر السجن، لفترات طويلة.

أوضح مدير المركز في رسالته لرئيس الجمهورية أنه في حالة تسلمه الرسالة والمذكرة المرفقة بها بعد صدور هذا القانون القمعي، فإنه –بموجب المادة 86 مكرر من المشروع– يمكن اعتبارهما دليلًا موثقًا على ارتكاب مدير المركز لجريمة إرهابية يعاقب القانون عليها بالإعدام! فذلك القانون “الإرهابي” يعاقب بالإعدام كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة، يكون الغرض منها “الدعوة بأية وسيلة إلى تعطيل أحكام الدستور أو القوانين”! فالقانون المقترح الذي يزعم مكافحة الإرهاب ينظر بنفس درجة الخطورة إلى زعيم تنظيم القاعدة، وإلى مدير منظمة حقوقية أو رئيس حزب أو جماعة سياسية تطالب بوسائل سلمية (بمجرد الكلام) بتعديل الدستور أو أي قانون، وتعاقبهم جميعًا بنفس العقوبة (الإعدام). إذ يعتبر واضعو النسخة الأولى من مشروع القانون (وزارتي العدل والداخلية) أن “سلاح الكلمة” لايقل خطورة عن الأحزمة الناسفة والقنابل الموقوتة!

شدد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان على أن مشروع القانون بشأن الأحكام الإجرائية لمكافحة الإرهاب والتعاون القضائي الدولي، يعتبر بمثابة تقنين حالة طوارئ دائمة وغير معلنة، وذلك بالمخالفة للدستور والتآمر على الشعب. ففي الوقت الذي وضع الدستور قيودًا على إعلان حالة الطوارئ في المادة 154، فاشترط لإعلانها موافقة أغلبية عدد أعضاء مجلس النواب، و لتجديدها موافقة أغلبية ثلثي أعضاء المجلس، ولمدة أقصاها ثلاثة أشهر، جاء مشروع القانون ليفسح المجال لرئيس الجمهورية باتخاذ بعض الإجراءات لمكافحة الإرهاب (تكاد تتطابق مع الإجراءات المنصوص عليها في قانون الطوارئ الحالي رقم 162 لسنة 1958) دون اشتراط أغلبية خاصة. إذ تكفي موافقة الأغلبية المطلقة للنواب الحاضرين، كما أنه لم يلتزم بالمدة التي حددها الدستور، فضلًا عن إمكانية تمديدها لفترات أخرى، ولأجل غير مسمى دون اشتراط أغلبية خاصة.

وفي انتهاك صريح للمادة 54 من الدستور، التي ألزمت بإحالة من يقبض عليه لسلطات التحقيق في خلال 24 ساعة، جاء مشروع القانون ليعطي لأفراد الأمن حق القبض على المشتبه في ضلوعهم في جرائم الإرهاب واحتجازهم لمدة 72 ساعة دون عرض على سلطة التحقيق، كما يجوز مد تلك المدة لأسبوع أخر، لتصل فترة الاحتجاز دون العرض على النيابة لعشرة أيام.

جدير بالذكر أن مشروعي القانونين قد سارا في اتجاه عكسي لتوصيات المقرر الخاص بالأمم المتحدة المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، والتي ذكرها في تقريره عقب زيارته الرسمية لمصر في عام 2009، وشدد فيها على ضرورة وضع تعريف محدد للإرهاب، وألا يؤدي أي قانون لمكافحة الإرهاب إلى تكريس حالة طوارئ دائمة.

أخيرًا، حث مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان رئيس الجمهورية على حماية الدستور من التآمر المتكرر عليه، والدفاع عن المبادئ الدستورية المستقرة، ليس فقط بصفته رئيسًا للبلاد، بل لكونه قاضيًا ترأس أعلى منصب قضائي، وهو رئاسة المحكمة الدستورية العليا، كما يتعين عليه الدفاع عن الأحكام الدستورية التي شارك هو نفسه في صياغتها، انتصارًا للشرعية الجنائية واحترام حقوق الإنسان.

جدير بالذكر أن الانقلاب الأول على الدستور، قد وقع بإصدار القانون الذي صادر الحق في التجمع السلمي، بالتعارض الصارخ مع الإعلان الدستوري الصادر في 8 يوليو 2014، و الذي كان ساريًا وقت إصدار قانون التظاهر. كما جاء هذا القانون بالتعارض مع النص المعتمد حينذاك في لجنة “الحقوق والحريات في لجنة الخمسين المكلفة بوضع الدستور2014”.

إن السيد عمرو موسى رئيس لجنة الخمسين وأعضائها يتحملون مسئولية أخلاقية عن حماية الدستور الذي وضعوه نيابة عن الشعب المصري، واستمرار صمتهم يمكن أن يشكل موافقة ضمنية على الاعتداء المتكرر على الدستور، مثلما مثَّل صمتهم من قبل موافقة ضمنية على الاعتداء القمعي الأمني العنيف على الذين تظاهروا أمام مقر اجتماعات لجنة الخمسين، والتحرش الجنسي بالنساء منهم، و تلفيق الاتهامات إلى بعضهم، وإحالتهم إلى محاكمات غير عادلة، وإصدار أحكام ظالمة بالسجن بحق بعضهم. إن التهمة الحقيقية التي سجن هؤلاء الشباب بسببها هي ممارستهم لحقهم في التعبير عن رأيهم، والمساهمة في مداولات لجنة تضع دستورًا ينظم التمتع بالحقوق والحريات للمصريين!

إن استمرار صمت أعضاء ورئيس لجنة الخمسين عن انقلابين متواليين على الدستور خلال خمس شهور، يضعهم شريكًا بالمسئولية الأخلاقية، ويساهم في المزيد من التجرؤ على الاعتداء على الحريات العامة وحقوق الإنسان والدستور المصري والتآمر عليه.

* للإطلاع على نص الخطاب المرسل لرئاسة الجمهورية والمذكرة القانونية حول مشروعي القانونين، على الروابط التالية:

الخطاب المرسل لرئاسة الجمهورية: https://cihrs.org/?attachment_id=8534

المذكرة القانونية حول مشروعي القانونين: https://cihrs.org/?attachment_id=8533

Share this Post