الخوف والفتنة

In مقالات رأي by CIHRS

محمد سيد سعيد

جريدة البديل، 15 أكتوبر 2008

عكف الأستاذ سامر إبراهيم، القيادي بحزب التجمع في المنيا، على تصحيح صياغة التغطيات الصحفية التي تقدمها «البديل» لكثير من الأحداث، وعلي رأسها أحداث الفتنة الطائفية. وأحيانًا تتفق أو تختلف «البديل» مع تقديراته. ما يقوله أن أغلب ما ننظر إليه كفتن طائفية ليس سوى أحداثًا عادية تقع في الصعيد، مثلًا، كل يوم بين الجار وجاره بغض النظر عن الدين.

يصدق هذا التقدير فعلًا في أحداث كثيرة. وبوجه عام تستدعي الأنظمة القهرية تباينات واختلافات لها قيمة أو دون قيمة، لإثارة الناس بعضهم على بعض، وليس ثمة شك مطلقًا في أن النظام القهري في مصر وظّف بوعي، وأشعل أحيانًا، الحساسيات الدينية لأغراض في نفس يعقوب.

ولكن ما إن تبدأ الحلقات الشريرة للحساسيات، والفتن الدينية حتى تكتسب قوة دفع خاصة بها. وتثير هذه الحقيقة استغراب المراقبين لهذا الشأن من الخارج، ففي حالة الفتنة على المحور الإسلامي المسيحي في مصر، لم تكن هناك ـ أبدًا ـ قضية حقيقية، ولم تكن هناك مصالح ولا خلافات ضاربة في الأعماق، ولا تناقضات تبرر العنف. ما يحدث هو أن الفتن الطائفية تطل من كل زاوية، وتصبح جزءً من الهواء الذي يتنفسه الناس.

هذا ما يحدث في كل مكان في الدنيا، ويتلون فقط بالتقاليد والثقافات والتواريخ، وأحيانًا بالمصالح والتطورات السياسية، ولابد أن يفهم شعبنا أن الفتن الطائفية لا علاقة لها إطلاقًا بالأديان نفسها. فأصحاب كل الأديان وكل الطوائف من نفس الدين يمكن أن يزجوا بأنفسهم، أو يجدوا أنفسهم مدفوعين للعنف ضد الآخرين. لابد أن يفهم شعبنا أن المطلوب هو إشعال الخلافات وتأجيج الصراعات وإثارة وتعميم الكراهية والحزازات وبناء الأسوار وتقسيم الشعب إلى فئات متناحرة، كبديل لتضامنه وطريقة لتحريف وعيه ونضاله.

أكثر ما يكشف عن هذه الحقيقة هو ما يجري الآن من محاولات لإشعال فتنة كبيرة بين السُنة والشيعة في مصر أيضًا، وتبدو المحاولة مفتعلة للغاية ومزيفة إلى أبعد الحدود. ولا نحتاج لكثير من الكلام حول هذا الأمر. فعدد إخواننا الشيعة في مصر لا يزيد على بضعة آلاف، وكما يقال دائمًا، فإن عقل المصريين سُنة وقلبهم شيعة بمعنى أقرب إلى آل البيت.

إثارة مزورة ومتكلفة، لكنها مع ذلك ذكية للغاية، فهي تستدعي أهم عنصر على الإطلاق في إشعال الفتن وهو الخوف. الآن تتم إثارة الخوف من إيران على اعتبار أنها تقوم بالتبشير، ومحاولة تحويل السُنة إلى شيعة. ولأن إيران ليست مخيفة للمصريين يصبح مفتاح الإشعال الذاتي للفتنة هو التخويف من “إفساد العقيدة”.

Share this Post